وأما سبب رفضنا للآراء السابقة ، فذلك لأننا نرى في حادث انغلاق البحر لموسى رأيا آخر ، فهو ، فيما نعتقد ونؤمن به الإيمان كل الإيمان ، أنه معجزة موسى الكبرى ، والمعجزة ، فيما نعلم ، قوى إلهية يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ، والحصول على نظير لها ، ولا تأتي إلا في مقام التحدي والإعجاز ، وهي ، كغيرها من معجزات الأنبياء ، من عمل الله ، ولا فضل لأحد فيها سواه سبحانه وتعالى ، فليس لنبي يد في هذه الخوارق التي بهرت الناس وقهرت الخلق ، وقامت أدلة صادقة على صدق من ظهرت على أيديهم في أنهم مبلغون عن الله سبحانه وتعالى ، ومن هنا خاف موسى عليهالسلام ، حين تحولت عصاه حية تسعى ، فولّى مدبرا ولم يعقب لشدة خوفه منها ، حتى هدأ الله روعه وأمن خوفه ، وعلى هذا الأساس لا يستغرب ولا يستبعد وقوعها ممن لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (١) ، فإنه جل شأنه ، كما يقول (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) ، هذا فضلا عن أن المعجزة إنما هي من البراهين العقلية التي تقرر قيومية الله الخالق عز شأنه ، وإطلاق قدرته من قيود القوانين والعادات المعلومة في حدود مدارك العقول الإنسانية إلى سنن كونية وقوانين للوجود فوق آفاق تلك العقول ، تحدث على وفقها تلك الأحداث الكونية والأعاجيب الإعجازية ، إذا تطلبها أسبابها ، وحانت مناسبتها ، والله سبحانه وتعالى فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل (٣).
ويقول الإمام الفخر الرازي أن انغلاق البحر لموسى معجزة من
__________________
(١) أنظر : سورة طه : آية ٦٦ ـ ٦٩ ، النمل : آية ١٠ ، القصص : آية ٣١ ـ ٣٢ ، عبد الرحيم فودة : من معاني القرآن ص ١٠٩.
(٢) سورة يس : آية ٨٢.
(٣) محمد الصادق عرجون : معجزة الأنبياء بين العقل والعلم ـ الإسكندرية ١٩٥٥ ص ٢ ، ثم أنظر عن المعجزة وشروطها : الإمام القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ـ القاهرة ١٩٦٩ ص ٧٠ ـ ٧٢.