وهنا يتساءل فرويد : إذا كان موسى يهوديا راغبا في تحرير بني جلدته من نير المصريين ، فما الذي دعاه إلى فرض سنة الختان على قومه ، وكل ما يتوقع منها أن تجعل اليهود مصريين ، وما الداعي لتخليد ذكرى مصر فيما بينهم ، رغم أن جهوده كانت موجهة إلى عكس ذلك ، وهذا كله يدل على أن موسى لم يكن يهوديا ، بل كان مصريا (١) ، الأمر الذي يترتب عليه أن الديانة الموسوية كانت على الأرجح ديانة مصرية ، ولكن ليست الديانة السائدة بين الشعب ، وإنما ديانة إخناتون التي تتفق مع اليهودية في كثير من النقاط.
وهنا يتجه «فرويد» إلى هدفه مباشرة ، وهو أن موسى كان مصريا ، وكان طموحا عالي الهمة ، وربما راودته فكرة أن يصبح في يوم ما زعيم شعبه ، ورئيس الإمبراطورية المصرية ، ولما كان من المقربين إلى فرعون (إخناتون) فقد أبدى حماسة شديدة بالعقيدة الجديدة التي فهم أفكارها الرئيسية وتشربها ، ولكن عند ما زحفت الرجعية على إثر موت إخناتون ، رأى موسى أن كل آماله وتدابيره تنهار ، فمصر لم يعد عندها ما تعطيه له ، اللهم إلا إذا كفرت بمعتقداتها التليدة ، وهكذا أصبح موسى رجلا فقد وطنه ، وهنا واتته فكرة : إن إخناتون الحالم قد بلبل فكر شعبه وترك إمبراطوريته تتمزق إربا ، فإذا موسى ، بما جبل عليه من علو الهمة ، يتصور خطة ينشئ بها إمبراطورية أخرى يكون دينها هو الدين الجديد الذي نبذته مصر ، وربما كان في ذلك الوقت حاكما للإقليم المتاخم للحدود الشرقية ، حيث تقيم في «جوشن» بعض القبائل السامية منذ أيام الهكسوس ، فمن هذه القبائل يقرر موسى أن يتخذ له شعبا جديدا ، ومن ثم فقد قام بإنشاء علاقات مع القبائل السامية في أرض جوشن ونصب نفسه زعيما عليها ، وقادها إلى الخروج «بيد
__________________
(١) ليس صحيحا ، على وجه اليقين ، أن موسى كان مصريا ، وسوف نناقش هذه القضية بالتفصيل في هذه الدراسة (الباب الرابع ـ الفصل الأول).