فصار مميزه كمميز العدد الكثير ، وهو المائة والألف ، وإنما جاز الجمع فيه ولم يجز في العدد الصريح لأن في لفظ العدد الكثير دلالة على الكثرة ، فاستغنى بتلك الدلالة عن جمع المميز ؛ وأمّا «كم» فهو كناية عن العدد الكثير ، وليس بصريح فيه ، فجوّز واجمع مميزه ، تصريحا بالكثرة ؛
قوله : «وتدخل من فيهما» ، أي في مميزيهما ، أمّا في الخبرية فكثير نحو : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ)(١) ، و : (كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ)(٢) ، وذلك لموافقته جرّا للمميز المضاف إليه «كم» ؛ وأمّا مميز «كم» الاستفهامية ، فلم أعثر عليه مجرورا بمن ، في نظم ولا نثر ، ولا دلّ على جوازه كتاب من كتب النحو ، ولا أدري ما صحته (٣) ،
وإذا انجر المميز بمن وجب تقدير «كم» منونة قوله : «ولهما صدر الكلام» أما الاستفهامية فللاستفهام ، وأمّا الخبرية فلما تضمنته من المعنى الإنشائي في التكثير ، كما أن «ربّ» لمّا تضمنت المعنى الإنشائي في التقليل ، وجب لها صدر الكلام ، ولي ، في تضمنهما معنى الإنشاء ، أعني : ربّ ، وكم ، نظر ، كما يجيئ في باب التعجب ؛ (٤)
وإنما وجب تصدير متضمّن معنى الإنشاء ، لأنه مؤثر في الكلام مخرج له عن الخبرية ، وكل ما أثر في معنى الجملة من الاستفهام والعرض والتمني والتشبيه ونحو ذلك فحقه صدر تلك الجملة خوفا من أن يحمل السامع تلك الجملة على معناها قبل التغيير ، فإذا جاء المغيّر في آخرها تشوش خاطره ، لأنه يجوّز رجوع معناه إلى ما قبله من الجملة مؤثرا فيها ، ويجوّز بقاء الجملة على حالها فيترقب جملة أخرى ، يؤثر ذلك المغيّر فيها ؛
__________________
(١) الآية ٢٦ في سورة النجم ؛
(٢) الآية ٤ سورة الأعراف ، وتقدمت الآيتان ؛
(٣) يرى بعض العلماء أن في هذا القول من الرضى تجريحا لابن الحاجب ، وزعموا أن الرد على الرضى : ما قاله الزمخشري من أن كم في قوله تعالى : سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ، استفهامية ؛ والزمخشري إنما جوّز ذلك فقط ، وربما كان الرضى يقصد أن مجيئها للاستفهام غير مقطوع به ، ومن عجيب ما جاء في ذلك البحث أن بعضهم يستدل على كونها استفهامية في : سل بني إسرائيل ، بأن قبلها سل ، وهو أمر من السؤال؟
(٤) هو في باب أفعال المدح والذم ، وإن كان قد عرض لذلك إجمالا في باب التعجب ؛