وأمّا الكلام في بناء «حيث» فسيأتي بعد ،
وقد يشبّه «غير» و «مثل» ، بالظروف المضافة إلى الجمل لزوما ، أعني : حيث ، وإذ ، وإذا ؛ وذلك لأنهما نسبيّان مثلها ، ولأنه لا حصر فيهما ، كما أنها غير محصورة بحدود حاصرة ، انحصار اليوم ، والدار ، فيضافان إلى الجملة ؛ لكن لمّا كانا مشبّهين بها تشبيها بعيدا ، لم يضافا إلى صريح الفعل ، إضافتها إليه ، بل إلى جملة مصدرة بحرف مصدري ، كقوله تعالى : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(١) ، وقوله :
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت |
|
حمامة في غصون ذات أو قال (٢) ـ ٢٢٨ |
وقوله :
غير أني قد أستعين على الهم |
|
مّ إذا حفّ بالثويّ النجاء (٣) ـ ٢٢٩ |
وإنما صدّر ما أضيفا إليه بحرف مصدري ، دون ما أضيف إليه الزمان الجائز إضافته إلى الجملة ، وإن كانت الإضافة إليها في كلا القسمين غير لازمة ، لأن التناسب بين الزمان المضاف إلى الجملة ، والجملة المضاف إليها في دلالتهما على الزمان ، وكون الزمان ظرفا لمصدر الجملة المضاف إليها [أغنيا عن الحرف المصدري](٤) ، وليسا بموجودين في : مثل ، وغير ، فاحتيج معهما إلى الحرف المصدري ، مع أنه نقل الكوفيون عن العرب أنها تضيف الظروف ، أيضا ، إلى ، أن ، المشدّدة والمخففة ، نحو : أعجبني يوم أنك محسن ، ويوم أن يقوم زيد ، فإن صح النقل ، جاز في تلك الظروف : الإعراب والبناء ، كما في : «مثل ما أنكم تنطقون» ، وغير أن نطقت ، على ما يأتي ،
واختلف في كون الظروف مضافة إلى ظاهر الجملة ، أو إلى المصدر الذي تضمنته ؛ والنزاع في الحقيقة منتف ، لأن الإضافة في اللفظ إلى ظاهر الجملة بلا خلاف ، ومن حيث المعنى إلى مصدرها ، لأن معنى يوم قدم زيد ، يوم قدومه ، ولو كان مضافا في الحقيقة
__________________
(١) الآية ٢٣ سورة الذاريات ؛
(٢) تقدم ذكره في باب الاستثناء ؛
(٣) تقدم أيضا في باب الاستثناء ؛
(٤) زيادة موجودة في بعض النسخ وإثباتها مفيد في بيان المعنى.