أحرف ، بناء من الواضع على ما يعلم من كونها حال الاستعمال في الكلام مبنية لمشابهتها للمبني ، على ما ذكرنا في صدر الكتاب ، في حد الإعراب ؛ فلا يجوز أن يكون بناؤها مبنيا على وضعها وضع الحروف ؛ فالوجه ، إذن ، في بناء لدن أن يقال : إنه زاد على سائر الظروف غير المتصرفة في عدم التصرف بكونه ، مع عدم تصرفه ، لازما لمعنى الابتداء فتوغل في مشابهة الحروف ، دونها ؛
وأمّا «لدى» وهو بمعنى «عند» فلا دليل على بنائه ؛ ومعنى «عند» : القرب حسّا أو معنى ، نحو : عندي أنّك غنيّ ، وربّما فتحت عينه أو ضمت ، ويلزمها النصب إلا إذا انجرّت بمن ؛
ومن حذف نون «لدن» لم يجوّز حذفها مع الإضافة ، فلا يقول : من لده ، بل : من لدنه ، ولدنك ؛ وتجرّ «لدن» ما بعدها بالاضافة لفظا إن كان مفردا ، وتقديرا إن كان جملة ،
وإن كان ذلك (١) لفظ «غدوة» ، جاز نصبها أيضا ، مع الجر ، وقد ترفع ؛ أمّا النصب ، فإنه وإن كان شاذا ، فوجهه كثرة استعمال لدن مع غدوة ، دون سائر الظروف ، كبكرة ، وعشية وكون دال لدن قبل النون الساكنة ، تفتح وتضم وتكسر كما سبق في لغاتها ، ثم قد تحذف نونه ، فشابهت حركات الدال حركات الإعراب من جهة تبدلها ، وشابهت النون التنوين من جهة جواز حذفها ، فصار لدن غدوة ، في اللفظ ، كراقود خلا ، فنصبها تشبيها بالتمييز ، أو تشبيها بالمفعول الذي هو الأصل نحو : ضارب زيدا ؛ (٢)
وغدوة ، بعد لدن ، لا تكون إلا منونة ، وإن كانت معرفة ، أيضا ، إمّا تشبيها بالتمييز ، فإنه لا يكون إلا نكرة ، وإمّا لأننا لو حذفنا التنوين ، لم يدر أمنصوبة هي أم مجرورة ،
وأمّا الرفع فعلى حذف أحد جزأي الجملة ، أي : لدن كان غدوة ، كما قلنا في : مذ يوم الجمعة ؛
__________________
(١) يعني الاسم الواقع بعد لدن ،
(٢) خلاصته أنها إما مشبّهة بالتمييز المنصوب عن تمام الاسم أو بما شبّه به ذلك التمييز ،