الحاصل باتصال الصلة بالموصول أكثر ، فكان التخفيف بحذف الضمير الذي هو فضلة : أولى ، وهذا كما جاز حذف المبتدأ في صلة «أيهم» في السّعة دون صلة غيرها ، وذلك لتثاقلها بالمضاف إليه كما ذكرنا ؛
وإنما كان الجواب أو البدل مرفوعا إذا كان «ذا» موصولا ، لأن «ماذا» إذن ، جملة ابتدائية : ذا مبتدأ وخبره «ما» ، مقدّم عليه لكونه نكرة ، وعند سيبويه : «ما» مبتدأ ، مع تنكيره ، وذا خبره ، على ما مرّ في باب المبتدأ ، والأولى في الجواب : مطابقة السؤال ؛ فرفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وذلك المبتدأ ضمير راجع إلى «ذا» الموصولة ؛
فقوله تعالى : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ليس بجواب لقوله للكفار : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ)(١) ، إذ لو كان جوابا له ، لكان المعنى : «هو أساطير الأولين» ، أي : الذي أنزله ربنا : أساطير الأوّلين ، والكفار لا يقرّون بالإنزال ، فهو ، إذن ، كلام مستأنف ، أي : ليس ما تدّعون إنزاله منزلا ، بل هو أساطير الأولين ؛
وإذا كانت «ذا» مزيدة ، فما ، منصوبة المحل ، مفعولا للفعل المتأخر فالسؤال ، إذن جملة فعلية ، فكون الجواب جملة فعلية ، أولى ، للتطابق ، فينصب الاسم على إضمار مثل الفعل الذي انتصب به «ما» في السؤال ، فحذف لدلالة السؤال عليه ، فقوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً)(٢) ، أي : أنزل خيرا ، وإنما لزم ههنا (٣) النصب ليكون مخالفا لجواب الكفار ، لأن النصب تصريح بكون «أنزل» مقدرا ، والرفع يحتمل استئناف الكلام ، كما ذكرنا في : «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ، ويحتمل تقدير الموصول المذكور في السؤال مبتدأ ، كما في قوله تعالى : (قُلِ الْعَفْوَ)(٤) ،
__________________
(١) الآية ٢٤ سورة النحل ،
(٢) من الآية ٣٠ سورة النحل أيضا ،
(٣) أي في الحديث عن الذين آمنوا ،
(٤) الآية ٢١٩ سورة البقرة ، وتقدمت ،