فيها من محكيّ مذكور قبل الحكاية ثبتت فيه تلك العلامات حتى تحكى ،
وغرضهم في الحكاية أن يتيقّن المخاطب أن المسئول عنه هو ما ذكره بعينه لا غيره حتى يكون نصا ؛ وإنما اشترط في لحاق العلامات المذكورة «بمن» كونها سؤالا عن نكرة ، لأن المعارف إذا استفهم بها عنها ، ذكرت في الأغلب إمّا محكية أو غير محكية ، كما يجيئ ، لأن الاستفهام عن المعارف ليس في الكثرة مثل الاستفهام عن النكرات ، فلم يطلب التخفيف بحذف المسئول عنه ، ولو كررت أيضا ، النكرات لم يجز حكايتها إلا بعد «من» ؛ لأن النكرة ، إذا كررت ، فلا بدّ في الثانية من لام العهد ، ليعرف أن المذكورة ثانيا هي المذكورة أوّلا ، تقول : من الرجل؟ لمن قال : جاءني رجل [فأكرمت الرجل](١) ، ومع زيادة اللام عليها لم تمكن الحكاية ، لأن الحكاية ذكر اللفظ المذكور بعينه بلا زيادة ولا نقصان ، فلما لم يمكن حكايتها ، فإن لم تقصد الحكاية قلت : من الرجل؟ ، أو من هو؟ أو : من ذلك ؛ وإن قصدتها ، وهو الكثير ، حذفت النكرة وأثبتّ العلامات في لفظ «من» وسهل حذفها قصد التخفيف ، لأن الاستفهام عن النكرة أكثر من الاستفهام عن المعرفة ، فلذا كان حذفها بعد «من» أكثر من اثباتها ، ومع الحذف فالحكاية في «من» أولي ، لأجل التنصيص من أوّل الأمر على أن المستفهم عنه هو النكرة المذكورة ، لأنك إذا لم تحك في لفظ «من» فربّما توهم السامع أن المستفهم عنه تورده بعدها ؛ (٢)
وأمّا اشتراط العقل في هذه الحكاية ، فظاهر ، لأن «من» للعقلاء وأمّا اشتراط الوقف على «من» ، ولم يشترط ذلك في «أيّ» بل تقول فيها : أيّ يا فتى ، وأيّا يا فتى ، وبأيّ يا فتى ، كما يجيئ ؛ فلأن «من» مبنيّة مستنكر عليها الإعراب ، فلما قصدوا تبعيدها عن الإعراب أثبتوا حكاية الإعراب عليها في حالة لا يكون فيها على المفرد المذكر
__________________
(١) جملة : فأكرمت الرجل ، زيادة لا بد منها ليتم التمثيل لما قال ، وكأنها ساقطة من الطبع في النسخة التي نقلت عنها.
(٢) أي يتوهم أن المستفهم عنه شيء آخر سيذكر بعد كلمة الاستفهام المتأخرة ،