الماضي فقط ، وذلك لأنها تدل على الزمن الماضي ومطلق الحدوث الذي تخصيصه يعلم من الخبر ، نحو : كان زيد منطلقا ، فمطلق الحدوث يستفاد من الخبر ، لأنه يدل على تعيين الحادث ، ويستحيل تعيين الحادث من دون مطلق الحدوث ، فمعنى كان زيد قائما : في الزمن الماضي زيد قائم ، ف : «كان» مدلوله هو الزمن الماضي فقط ، ومع النص على المضيّ ، لا يمكن استفادة الاستقبال ، وهذا من خصائص «كان» دون سائر الأفعال الناقصة ، لأن «صار» يدلّ على الانتقال الذي لم يدلّ عليه خبره ، وكذا باقيها ؛ ثم إنّ «كان» إذا كان شرطا ، قد يكون بمعنى فرض الوقوع في الماضي ، نحو : إن كنت قلته ، و : إن كان قميصه .. وقد يكون متحقق الوقوع فيه ، نحو : زيد وإن كان غنيا إلّا أنه بخيل ، وقد يستعمل الماضي في الشرط متحقق الوقوع وإن كان بغير لفظ «كان» ، لكنه قليل بالنسبة إلى «كان» ، كقوله :
٦٨٦ ـ أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا |
|
جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم (١) |
ونحو قولك : أنت ، وإن أعطيت مالا : بخيل ، وأنت ، وإن صرت أميرا ، لا أهابك ؛
وقال المصنف : التقدير : إن ثبت حزّ أذني قتيبة ، ليكون الشرط مستقبلا ؛ وليس بشيء ، لأن الغرض أن ذلك ثابت ، فلم يفرض ثبوت الثابت؟ وقد تستعمل «كان» في الاستقبال ، أيضا ، نحو : إن كنت غدا جالسا فائتني ، نظرا إلى ذلك الحدوث المطلق ، دون الزمن العارض في جميع الأفعال بسبب الصيغة الطارئة على جوهر الكلمة ؛ وكون «كان» للشرط في الماضي مذهب المبرد ، وهو الحق ، بدليل قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ ...)
قال ابن السّراج : أنا لا أقول هذا ، ولكن أقول : ان المعنى : إن أكن قلته وهو ظاهر الفساد ، لأن هذه الحكاية إنما تجري يوم القيامة ، وكون عيسى قائلا ذلك أو غير قائل ، إنما هو في الدنيا ؛ وأيضا ، يجوز التصريح بقولك : إن كنت أعطيتني أمس ، فسوف أكافئك اليوم ، وقوله تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ ... ،) ظاهر في المضيّ ؛
__________________
(١) هذا البيت من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٧٩ وهو من شعر الفرزدق. في قصيدة مدح بها سليمان بن عبد الملك وهجا فيها جريرا. والضمير الفاعل في تغضب راجع إلى قيس المذكور في بيت سابق وأنثه لأن المراد بقيس القبيلة ؛ ويجوز أن يكون خطابا وفاعله تقديره أنت والمقصود جرير ؛