وأمّا البصريون فقالوا : كان حق اللام ألّا تجامع «إنّ» المكسورة ، أيضا ، لأنها تسقط بسببها عن مرتبة الصدر ، لكن ، جازت مجامعتها لها ، لشدّة تناسبهما بكونهما بمعنى واحد ، فاغتفر لذلك سقوطها عن مرتبتها ، بخلاف «لكنّ» ، فإنها لا تناسبها معنى ، فلم يغتفر معها ، سقوطها عن مرتبتها ؛ وما أنشدوه ، فإمّا أن يكون شاذا كما في قوله :
أمّ الحليس لعجوز شهربه (١) ـ ٨٤٠
وإمّا أن يكون في الأصل : لكن انني ، فخفف بحذف الهمزة ونون «لكن» ، كما خففت في : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(٢) ، اتفاقا منهم ، بحذف الهمزة ، وأصله : لكن أنا ؛
واعلم أن «إنّ» المكسورة ترادف «نعم» ، كما يجيء في حروف التصديق ، فلا تعمل ؛
وترادف المفتوحة «لعلّ» ، فتعمل ؛ والمفتوحة لكونها مع جزأيها : اسما مفردا ، تقع اسما لهذه الأحرف الستة ، لكن يجب فصلها عنها بالخبر ، كراهة اجتماعهما ، نحو : إنّ عندي أنك قائم ، وليت في قلبك أنك تعطيني ، وكذا في البواقي ؛
و «أنّ» مع ما في حيّزها : بدل اشتمال من «إحدى» في قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(٣) ، ومن «كم» ، في قوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ)(٤) ،
وأمّا قوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ)(٥) فقوله مخرجون ، خبر لأنكم الأولى ، وانكم الثانية معادة لتأكيد الأولى ، لمّا تراخى ما بينها
__________________
(١) الشاهد المتقدم في ص ٣٥٩ ؛
(٢) الآية ٣٨ سورة الكهف ؛
(٣) الآية ٧ سورة الأنفال ؛
(٤) الآية ٣١ سورة يس ؛
(٥) الآية ٣٥ سورة المؤمنون ؛