وقد تجىء «ثم» لمجرد الترتيب في الذكر ؛ والتدرّج في درج الارتقاء وذكر ما هو الأولى ثم الأولى من دون اعتبار التراخي والبعد بين تلك الدرج ولا أنّ الثاني بعد الأول في الزمان ، بل ربّما يكون قبله ، كما في قوله :
٨٧٥ ـ إنّ من ساد ثم ساد أبوه |
|
ثم قد ساد قبل ذلك جدّه (١) |
فالمقصود ترتيب درجات معالي الممدوح ، فابتدأ بسيادته ، ثم بسيادة أبيه ، ثم بسيادة جدّه ، لأن سيادة نفسه أخصّ ثم سيادة الأب ثم سيادة الجد ؛
وإن كانت سيادة الأب مقدمة في الزمان على سيادة نفسه ، فثمّ ، ههنا ، كالفاء في قوله تعالى (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(٢) كما ذكرنا ؛
وقد تكون ثم ، والفاء ، أيضا ، لمجرّد التدرج في الارتقاء ، وإن لم يكن الثاني مترتبا في الذكر على الأول ، وذلك أن تكرر الأول بلفظه ، نحو : بالله ، فبالله أو : والله ثم والله ، وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ، ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ)(٣) ، وقوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٤) ؛
وأمّا قوله تعالى : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ)(٥) ؛ فأقام العلة مقام المعلول (٦) ؛ وقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٧) ، أي بقي على ذلك الهدى من التوبة والإيمان والعمل الصالح ، كما قيل في : «اهْدِنَا الصِّراطَ
__________________
(١) من أبيات لأبي نواس : الحسن بن هاني في مدح العباس بن عبيد الله بن جعفر والرواية : قل لمن سار .. الخ وبعده : وأبو جدّه فساد إلى أن يتلاقى نزاره ومعدّه ، وليس القصد به الاستشهاد وإنما هو تمثيل لأمر معنوي ؛
(٢) الآية ٧٢ المتقدمة من سورة الزمر ؛
(٣) الآيتان ١٧ ، ١٨ سورة الانفطار ؛
(٤) الآيتان ٣ ، ٤ سورة التكاثر ؛
(٥) الآية ٤٦ سورة يونس ؛
(٦) لأن التقدير : ثم نعذبهم لأن الله شهيد ...
(٧) الآية ٨٢ سورة طه ؛