واضرب الآخر ؛ ويندفع هذا الاحتمال بمثل القرينة التي في قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(١) ، إذ لا يجوز أن يريد : لا تطع واحدا منهما وأطع الآخر ، لقرينة الإثم والكفر ؛
فلفظة «أو» في جميع الأمثلة ، موجبة كانت ، أو ، لا ، مفيدة لأحد الشيئين أو الأشياء ، ثم معنى الوحدة في غير الموجب يفيد العموم ، فلم تخرج «أو» مع القطع بالجمع في الانتهاء (٢) في نحو : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، عن معنى الوحدة التي هي موضوعة له ، والله أعلم ؛
وأمّا «إمّا» فهي بمعنى «أو» في جميع الأحكام المذكورة ، إلّا أن المعطوف عليه بإمّا ، لا بدّ أن يكون مصدّرا بإمّا أخرى ، نحو : جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو ، فمبنى الكلام مع «إمّا» ، على أحد الشيئين ، أو الأشياء ، وأمّا مع «أو» فإن تقدم «إمّا» على المعطوف عليه ، نحو : جاءني إمّا زيد أو عمرو ، فالكلام مبني على ذلك ، وإن لم يتقدم ، جاز أن يعرض للمتكلم معنى أحد الشيئين بعد ذكر المعطوف عليه ، نقول مثلا : قام زيد ، قاطعا بقيامه ، ثم يعرض الشك ، أو قصد الإبهام فتقول : أو عمرو ؛ ويجوز أن يكون شاكا أو مبهما من أول الأمر ؛ وإن لم يأت بحرف دالّ عليه ، كما تقول مثلا : جاءني القوم ، وأنت عازم من أول الأمر على الاستثناء بقولك : إلّا زيدا ؛
فإمّا الثانية ، في كل كلام ، لا بدّ لها من تقدم «إمّا» أخرى داخلة على المعطوف عليه ، بخلاف «أو» ، فإنه يجوز فيه تقدم «إمّا» عليه ، وعدم تقدمها ، نحو : جاءني إمّا زيد أو عمرو ، و : جاءني زيد أو عمرو ؛
وقد جاءت «إمّا» غير مسبوقة بإمّا أخرى ، لكنها تقدّر ، حملا على الكثير الشائع من استعمالها ؛ أنشد الفرّاء :
__________________
(١) الآية ٢٤ سورة الدهر ؛
(٢) الانتهاء ، أي ما يستفاد من صيغة النهي وهو الامتثال ؛