فقط فيكون المعنى : ما لقيت واحدا منهما ولقيت الآخر ، لكن الأظهر والأغلب في الاستعمال ، أن يكون المراد : ما لقيت واحدا منهما فكيف بما فوق الواحد ، أي أن المراد نفي رؤيتهما كليهما ، وإنما كان كذلك لأن الأصل عدم الرؤية ، فإذا قلت : لقيت واحدا منهما أو ما يؤدي معناه نحو : لقيت زيدا أو عمرا فقد أخرجت واحدا منهما مما كان أصله ، أي عدم الرؤية ، فيبقى الآخر على أصله ، أي غير مرئيّ ؛
وأمّا إذا قلت : ما لقيت واحدا منهما ، أو ما يؤدّي معناه ، وهو : ما لقيت زيدا أو عمرا ، والأصل عدم الرؤية ، ولم يصرّح فيه إلا بعدم رؤية واحد منهما ، فبقاء الآخر على أصله من عدم الرؤية أولى ، فيكون نفيا لمطلق الرؤية ؛
فإن قلت : فإذا كان الأصل عدم الرؤية ، كان عليك ألّا تأتي بمفعول لرأيت ، لا واحدا ولا أكثر ، حين تخشى توهم المخاطب أن هذا الأصل لم يبق على حاله ، بل كان يكفيك أن تقول : ما لقيت من جنس الرجال ، فما دعاك إلى تقييد نفي الرؤية بواحد؟
قلت قصد المبالغة ، وبيان ذلك أن الأصل ، أي عدم الرؤية ، بقي على حاله ، ولم ينتف بتعلقها بأقل ما يكون أي الواحد ، فما زاد ؛
وإذا تقرّر هذا ظهر لك علة قولهم : ان النكرة في غير الواجب تفيد العموم في الأغلب ، وذلك أن النكرة تفيد الوحدة ، والوحدة في غير الموجب تفيد العموم في الأغلب ، كما مضى ؛
فإن قصدت التنصيص على العموم قلت : ما لقيت من رجل ، ومن واحد ، وإذا قلت : ما لقيت رجلين ، أو رجالا ، فالمعنى : ما لقيت مثنى واحدا من هذا الجنس ، وما لقيت جماعة واحدة منه ؛ فمع عدم «من» يحتملان الاستغراق وغيره ، ومع «من» يصير الأول نصا في استغراقه لجميع مثنيات هذا الجنس ، والثاني نصا في استغراقه لجميع جماعاته ؛
فظهر أن معنى : ما رأيت زيدا أو عمرا : ما رأيت زيدا ولا عمرا ، في الأظهر ، وكذا معنى ، لا تضرب زيدا أو عمرا ؛ ويحتمل احتمالا مرجوحا : لا تضرب أحدهما