قال أبو علي : ومما يدل على ما قال الأخفش : أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو ، جاء على مثال الماضي ، قال الله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(١) ، و : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٢) ، و : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(٣) ؛ وقال :
٨٩٣ ـ سواء عليك اليوم ، أنصاعت النوى |
|
بخرقاء ، أم أنحى لك السيف ذابح (٤) |
وقال :
٨٩٤ ـ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس |
|
أم جفاني بظهر غيب لئيم (٥) |
وأما قوله :
فإنك لا تبالي بعد حول |
|
أظبي كان أمّك أم حمار (٦) ـ ٥١٢ |
فقد مرّ في باب كان ، أن تقديره : أكان ظبي كان أمك ، نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٧) ؛
وإنما أفادت الهمزة فائدة «ان» الشرطية ، لأن «إن» تستعمل في الأمر المفروض وقوعه ، المجهول في الأغلب ، فلا يقال : إن غربت الشمس ، وكذا حرف الاستفهام ، يستعمل فيما لم يتيقّن حصوله ، فجاز قيامها مقامها ، فجرّدت عن معنى الاستفهام ،
__________________
(١) الآية ٢١ سورة ابراهيم ؛
(٢) الآية ٢ سورة البقرة ؛
(٣) الآية ٦ سورة المنافقون ، وتقدمت ؛
(٤) من قصيدة لذي الرمة ، وخرقاء لقب كان يطلقه على ميّة التي يذكرها في مفتتح قصائده ، ويروى بصيداء وهو اسم امرأة أيضا وانصاع بمعنى رجع مسرعا ، وهو في البيت بهمزة استفهام حذفت لأجلها همزة الوصل ، وقوله : أنحى لك ، أي قصدك الذابح واتجه إليك بالسيف ؛
(٥) من قصيدة لحسان بن ثابت يفتخر فيها على عبد الله بن الزّبعري ومنها قوله :
ربّ حلم أضاعه عدم المال |
|
وجهل غطّى عليه النعيم |
والنبيب مصدر نبّ التيس أي صوّت عند هياجه ، والحزن ما غلظ من الأرض ، والمعنى : يستوي عند نبيب التيس في الأرض الخشنة وهجاء اللئيم لي ؛
(٦) تكرر ذكره وانظر فهرس الشواهد ؛
(٧) الآية ٦ سورة التوبة ؛