عليها ما يستحق الجواب ، على ما مضى ، وههنا ليس كذلك ، فالأولى أن يجعل الجواب للشرط ، ويجعل الاستفهام داخلا على الشرط والجزاء معا ، كدخول الموصول عليهما معا نحو : جاءني الذي إن تأته يشكرك ، بجزم يشكرك ؛
والدليل عليه قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(١) ، والفاء في «فهم» لجواب الشرط ، وفي «أفإن» للسببيّة ، ولو كان التقدير : أفهم الخالدون ، لم يقل : فإن متّ ، بل كان يقول : أئن متّ فهم الخالدون ، أي : أفهم الخالدون إن مت ؛ والأصل عدم الحكم بزيادة الفاء ؛
وأمّا الهمزة الداخلة على «إذا» فهي في الحقيقة داخلة على ما هو في موضع الجزاء ، لأنه ليس بجزاء ، كما مضى في الظروف المبنية (٢) ، بل هو موضوع موضع الجزاء لغرض ذكرته هناك ، فليست «إذا» ، إذن ، مع جملتيها ، كإن مع جملتيها ، بل مرتبة جزائها التقدم ، من حيث المعنى ، على «إذا» لأنه عاملها ، كما تبيّن في الموضع المذكور ، فالاستفهام داخل في الحقيقة عليه ،
فمن ثمّ لم تأت الفاء في قوله تعالى : (.. أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً)(٣) ، لأن التقدير : أئنا لفي خلق جديد إذا متنا ،
ولهذا كثيرا ما يكرّر الاستفهام في «إنا» نحو قوله : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)(٤) ، لطول الكلام وبعد العهد بالاستفهام حتى يعلم أن حقّ الاستفهام أن يدخل على ما هو في موضع الجواب ، كما كرر قوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) بعد قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ ..)(٥) لما طال الكلام ، والفاء في (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) زائدة ،
__________________
(١) الآية ٣٤ سورة الأنبياء ؛
(٢) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
(٣) الآية ٤٩ سورة الإسراء ؛
(٤) الآية ٥٣ سورة الصافات ؛
(٥) الآية ١٨٨ سورة آل عمران ، وتكررت كثيرا ؛