أَوْ يُسْلِمُونَ» (١) ، معنى الرفع فيه : معنى النصب ، أي إلى أن يسلموا : جاز لك ألّا تصرف في المواضع المذكورة إلى النصب ، اعتمادا على ظهور المعنى ، والأكثر الصرف إليه بعد الأحرف الثلاثة ، وإنما صرفوا ما بعد فاء السببية من الرفع إلى النصب ، لأنهم قصدوا التنصيص على كونها سببية ، والمضارع المرتفع ، بلا قرينة مخلّصة للحال أو الاستقبال : ظاهر في معنى الحال كما تقدم في باب المضارع (٢) ، فلو أبقوه مرفوعا ، لسبق إلى الدهن أن الفاء لعطف جملة حاليّة الفعل على الجملة التي قبل الفاء ، فصرفه إلى النصب منبّه في الظاهر على أنه ليس معطوفا ، إذ المضارع المنصوب بأن : مفرد وقبل الفاء المذكورة جملة ، ومخلص المضارع للاستقبال اللائق بالجزائية (٣) ، كما ذكرنا في المنصوب بعد «إذن» ، فكان فيه شيئان : دفع جانب كون الفاء للعطف ، وتقوية كونه للجزاء ، فيكون إذن ما بعد الفاء مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، كما ذكرنا في «إذن» سواء.
وإنما اخترنا هذا (٤) على قولهم : إن ما بعد الفاء بتقدير مصدر معطوف على مصدر الفعل المتقدم تقديرا ، فتقدير زرني فأكرمك : ليكن منك زيارة فإكرام مني ؛ لأن (٥) فاء السببية إن عطفت ، وهو قليل فهي إنما تعطف الجملة على الجملة ، نحو : الذي يطير فيغضب زيد : الذباب.
وكذا نقول في الفعل المنصوب بعد واو الصّرف (٦) ، إنهم لمّا قصدوا فيه معنى الجمعية ، نصبوا المضارع بعدها ، ليكون الصّرف عن سنن الكلام المتقدم مرشدا من أوّل الأمر إلى أنها ليست للعطف ، فهي ، إذن ، إمّا واو الحال ، وأكثر دخولها على الجملة الاسمية ،
__________________
(١) من الآية ١٦ سورة الفتح ؛
(٢) في أول الكلام على المضارع من هذا الجزء ؛
(٣) العبارة هكذا في المطبوعة ويحتمل أن في الكلام سفطا. وأن الأصل : وتقدير «أن» مخلص المضارع للاستقبال ؛
(٤) أي أن ما بعد الفاء من المصدر المؤول مبتدأ محذوف الخبر ؛
(٥) تعليل لقوله : وإنما اخترنا هذا ؛
(٦) اصطلاح الكوفيين في تسمية واو المعية ؛