فإذا عَدوت أهل الحجاز فإِنَّ عامّة العرب على ترك الهمزة ، نحو : أريت الذي يُكَذِّب ، أَرَيْتُكم. وبه قرأ الكسائي ، تَرَك الهمز فيه في جميع القرآن ؛ وأَنشد لأبي الأسود :
أرَيْتَ امْرَأ كنْتُ لم أَبْلُه |
أتانِي فقال اتَّخذني خَلِيلاً |
فترك الهمزَة.
وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي طالب ، عن أبيه ، عن الفراء في قول الله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) [الأنعام : ٤٠].
قال : العرب لها في أرأيت لغتان ومَعنيان : أحدهما أن يسأل الرجُل الرجلَ : أرأيت زَيداً بعينك؟ فهذه مَهموزة.
فإِذا أوقعتها على الرّجل منه قلت : أرأيتَك على غير هذه الحال؟ يُريد هل رأيت نَفْسك على غير هذه الحال. ثم تُثنّي وتَجمع ، فتقول للرَّجُلين : أَرَأيْتُماكما ، وللقوم : أرأيتُموكم ، وللنِّسْوة : أرأتنّ كنّ ، وللمرأة : أرأيتِك ، بخفض التاء ، لا يجوز إلا ذلك.
والمعنى الآخر ، أن تقول : أرأيْتَك.
وأنت تقول : أَخْبرني ، فتهمزها وتنصب التاء منها ، وتترك الهمز إن شئت ، وهو أكثر كلام العرب ، وتترك التاء موحّدة مَفتوحة للواحد والواحدة والجميع ، في مؤنثه ومذكره ، فتقول للمرأة : أرأيتَك زيداً ، هل خَرج؟ وللنِّسوة : أرأَيتكنّ زيداً ما فعل؟
وإنما تركت العربُ التاء واحدةً لأنّهم لم يُريدوا أن يكون الفِعل منها واقعاً على نفسها ، فاكتفوا بذكرها في الكاف ، ووجّهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذا لم يكن الفِعل واقعاً.
ونحو ذلك قال الزّجاج في جميع ما قال.
ثم قال : واخْتلف النّحويّون في هذه الكاف التي في (أَرَأَيْتَكُمْ).
فقال الفرّاء والكسائيّ : لفظها لَفْظ نَصب ، وتأويلها تَأويل رَفْع.
قال : ومثلها الكاف التي في دونك زيداً ، لأن المعنى : خُذْ زَيداً.
قال أبو إسحاق : وهذا القول لم يَقُله النّحويّون القُدماء ، وهو خطأ ، لأن قولك : أرأيتَك زَيْداً ما شأنُه؟ يُصَيِّر أرأيت قد تعدّت إلى الكاف ، وإلى زيد ، فتَصير أرأَيْت اسْمَيْن ، فيَصير المَعْنى : أرَأيتَ نَفْسَك زَيداً ما حاله؟
قال : وهذا مُحَالٌ. والذي يَذْهب إليه النَّحويون الموثوق بعلمهم أن الكاف لا موضع لها ، وإنما المعنى : أرأيت زيد ما حاله؟ وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب ، وهي المعتمد عليها في الخطاب. فتقول للواحد المذكر : أرأَيْتَك