وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) [الأنعام : ١٥٦] معناه : ألّا تقولوا.
قال : وقولك : أسألك بالله ألّا تقوله ، وأن تقوله.
فأما : ألّا تقوله : فجاءت «لا» لأنك لم تُرد أن يَقُوله.
وقوله : أسألك بالله أن تقوله : سألتك هذا ، في مَعْنى النَّهْي.
ألا ترى أنك تقول في الكلام : والله أقول ذاك أبداً ، والله لا أقول ذاك أبداً.
«لا» ها هنا طَرْحُها وإدخالُها سواء ، وذلك أن الكلام له إباء وإنعام ، فإذا كان من الكلام ما يجيء من باب الإنعام موافقاً للإباء ، كان سواء ، وما لم يكن لم يكن ، ألا ترى أنك تقول : آتيك غداً ، وأقول معك ، فلا يكون إلا على مَعنى الإنعام.
فإذا قلت : والله أقول ذاك ، على معنى : والله لا أقول ذاك ، صَلَح.
وذلك لأن الإنعام : والله لأقولنّه ، والله لأذهبنّ معك ، ولا يكون : والله أذهب معك ، وأنت تُريد أن تَفْعل.
قال : واعلم أن «لا» لا تكون صلة إلّا في معنى الإباء ، ولا تكون في معنى الإنْعام.
قلت : وافق قولُ أبي إسحاق قولَ الفَرّاء في تَفسير «لا أُقْسِمُ».
وقال الفرّاء : العربُ تَجعل «لا» صلة إذا اتّصلت بجَحْد قبلها ؛ قال الشاعر :
ما كان يَرْضَى رسولُ الله دِينَهُم |
والأَطْيبان أبو بَكر ولا عُمَرُ |
أراد : [والطيبان](١) أبو بكر وعُمر.
وقال في قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الحديد : ٢٩].
العربُ : تَجعل «لا» صلة في كُل كلام دَخل في أوله جَحد ، أو في آخره جَحْد غيرُ مُصرّح ، فهذا ممّا دخل آخِرَه الجحدُ ، فجعلت «لا» في أوّله صلة.
قال : وأمّا الجحدُ السابق الذي لم يُصرّح به ، فقولك : ما مَنعك أن لا تَسْجد ، وقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)) [الأنبياء : ٩٥].
وفي «الحرام» معنى جَحْد ومَنْع ، وفي قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) مثله.
فلذلك جُعلت «لا» بعده صِلة ، معناها : السُّقُوط من الكلام.
قال : وقد قال بعض مَن لا يعرف
__________________
(١) زيادة في «اللسان» (لا).