وسمعت أعرابيّاً فصيحاً من بني نُمير كان اسْتُرعي إبلاً جُرْباً ، فلما أراحها مَلَثَ الظّلامِ نَحَّاها عن مأوى الإبل الصّحاح ، ونادى عريفَ الحيّ وقال : ألا أين آوي هذه الإبل المُوقَّسة؟ ولم يقل : أُووِي.
وروى الرُّواة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يأوي الضالّة إلّا ضالّ».
هكذا رواه فُصحاء المُحدّثين ، بفتح الياء.
وهو عندي صحيح لا ارتياب فيه ، كما رواه أبو عُبيد عن أَصحابه.
وسمعتُ الفصيح من بني كلاب يقولُ لمأوى الإبل : مأواة ، بالهاء.
وأَخبرني المنذري ، عن المفضل ، عن أبيه ، عن الفراء ، أنه قال : ذُكر لي أنَّ بعض العرب يُسمِّي مَأْوى الإبل : مأوِي ، بكسر الواو.
قال : وهو نادر ، ولم يجىء في ذوات الياء والواو : مَفْعِل ، بكسر العين ، غير حرفين : مَأْقِي العين ، ومَأْوِي الإبل ، وهما نادران.
واللغة العالية فيهما : مأوَى ، ومُوقٌ ومأقٌ.
ويُجمع «الآوي» مثال «العاوي» : أُوِيّاً ، بوزن «عُوِيّاً» ؛ ومنه قولُ العجّاج :
* كما يُدانِي الحِدأ الأُوِيّ *
شبّه الأثافي واجتماعها بحدأ انضمت بعضها إلى بعض ، فهي متأوّية ومتأوّيات.
قلت : ويجوز : تآوَت ، بوزن «تعاوت» على «تفاعلت».
وقرأت في «نوادر الأعراب» : تأوّى الجرح ، وأَوَى ، وتآوَى ، وآوَى ، إذا تقارب للبُرء.
وفي الحديث : إن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يُخَوِّي في سُجوده حتى كَنّا نَأْوي له.
قلت : معنى قوله «كنا نأوي له» بمنزلة قولك : كنّا نرثي له ، ونرقّ له ، ونُشفق عليه من شدّة إقلاله بَطْنَه عن الأرض ومدّه ضَبُعَيه عن جَنْبيه.
يقال : أَوَيْت له آوي له أويةً ، وأيّة ، ومَأوية ، ومأواة ، إذا رَثَيت له.
واستأويته ، أي استرحمته ، استيواء ؛ وقال :
* ولو أنِّي اسْتأْوَيْتُه ما أَوى لِيا*
وقال الآخر :
أراني ولا كُفرانَ لله أَيَّةً |
لِنَفسي لقد طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ |
أي : غير مُقْلق من الفزع. أراد : لا أكفر الله أيّة لنفسي ، نصبه لأنه مَفْعول له.
وأياة الشمس ، وآياتها : ضوؤها ؛ قال :
* سَقته إياة الشَّمس إلا لِثَاتِه*
ويقال : الأياء (١) ، بالمد ؛ والإِيا ،
__________________
(١) أورد ابن منظور هذا في (أيا).