ما أعلمه ومكث ثم تقول : ما أمكثه فتنقله من فعل أو فعل أو فعل إلى (أفعل يا هذا) كما كنت تفعل هذا في غير التعجب ألا ترى أنك تقول : حسن زيد فإذا أخبرت أن فاعلا فعل ذلك به قلت : حسن الله زيدا فصار الفاعل مفعولا وقد بينت لك كيف ينقل (فعل) إلى (فعل) فيما مضى ، وإذا قلت : ما أحسن زيدا (١) كان الأصل حسن زيد ثم نقلناه إلى (فعل) فقلنا : شيء أحسن زيدا وجعلنا (ما) موضع شيء ولزم لفظا واحدا ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال ، فإن قال قائل فقد قالوا : ما أعطاه وهو من (أعطى يعطي) وما أولاه بالخير ، قيل : هذا على حذف الزوائد ؛ لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش : إذا قلت : ما أحسن زيدا فـ (ما) : في موضع الذي وأحسن : زيدا صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك : حسبك ؛ لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر وقد طعن على هذا القول : بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها وهذا الباب عندي يضارع باب (كان وأخواتها) من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئا غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه بجانب باب (كان وأخواتها) إذ كان (باب كان) الفاعل فيه هو المفعول.
فإن قال قائل : فما بال هذه الأفعال تصغر نحو : ما أميلحه وأحيسنه والفعل لا يصغر فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما لزمت موضعا واحدا ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى (يفعل) وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر ونظير ذلك : دخول ألفات الوصل
__________________
(١) قال ابن عقيل : للتعجب صيغتان إحداهما ما أفعله والثانية أفعل به وإليهما أشار المصنف بالبيت الأول أي أنطق بأفعل بعد ما للتعجب نحو ما أحسن زيدا وما أوفى خليلينا أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا نحو أحسن بالزيدين وأصدق بهما
فما مبتدأ وهي نكرة تامة عند سيبويه وأحسن فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على ما وزيدا مفعول أحسن والجملة خبر عن ما والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وكذلك ما أوفى خليلينا
وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء والباء زائدة
واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله وعلى فعلية أفعل بدخول نون التوكيد عليه. انظر شرح ابن عقيل ٣ / ١٤٨.