وقال أبو العباس رحمه الله : إن التأنيث (١) معنى لازم غير مفارق إذا لزم المعنى لزمت علامته وليس كذا التثنية والجمع ؛ لأنه يجوز أن يفترق الإثنان والجمع فتخبر عن كل واحد منهما على حياله والتأنيث الحقيقي الذي لا يجوز فعله إلا بعلامة التأنيث هو كل مؤنث له ذكر كالحيوان نحو قولك : قامت أمة الله ونتجت فرسك والناقة إلا أن يضطر شاعر فيجوز له حذف العلامة على قبح ، فإن كان التأنيث في الاسم ولا معنى تحته فأنت مخير إن شئت جئت بالتاء لتأنيث اللفظ ، وإن شئت حذفتها.
قال الله عز وجل : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥] (قالوا) ؛ لأن الموعظة والوعظ سواء.
وقال تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [هود : ٦٧] ؛ لأن الصيحة والصوت واحد أما قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف : ٣٠] فإنما جاء على تقدير جماعة فهو تأنيث الجمع ولا واحد لزمه التأنيث فجمع عليه فلو كان تأنيث الواحد للزمه التاء كما تقول : قامت المسلمات ؛ لأنه على (مسلمة) وتقول : قامت الرجال ؛ لأنه تأنيث الجمع.
واعلم أن الفاعل لا يجوز أن يقدم على الفعل إلا على شرط الابتداء خاصة وكذلك ما قام مقامه من المفعولين الذين لم يسم من فعل بهم فأما المفعول إذا كان الفعل متصرفا فيجوز تقديمه وتأخيره تقول : ضربت زيدا وزيدا ضربت وأكلت خبزا وخبزا أكلت وضربت هند عمرا وعمرا ضربت هند وغلامك أخرج بكرا وبكرا أخرج غلامك وتقول : أشبع الرجلين
__________________
(١) أصل الاسم أن يكون مذكرا والتأنيث فرع عن التذكير ولكون التذكير هو الأصل استغنى الاسم المذكر عن علامة تدل على التذكير ولكون التأنيث فرعا عن التذكير افتقر إلى علامة تدل عليه وهي التاء والألف المقصورة أو الممدودة والتاء أكثر في الاستعمال من الألف ولذلك قدرت في بعض الأسماء كعين وكتف.
ويستدل على تأنيث ما لا علامة فيه ظاهرة من الأسماء المؤنثة بعود الضمير إليه مؤنثا نحو الكتف نهشتها والعين كحلتها وبما أشبه ذلك كوصفه بالمؤنث نحو أكلت كتفا مشوية وكرد التاء إليه في التصغير ككتيفة ويدية. انظر شرح ابن عقيل ٤ / ٩١.