وقال في قول الله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : ٦٧] وقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً)(١) [النساء : ٤] : أن التمييز إذا لم يسم عددا معلوما : كالعشرين والثلاثين جاز تبيينه بالواحد للدلالة على الجنس وبالجميع إذا وقع الإلباس ولا إلباس في هذا الموضع لقوله : (فإن طبن لكم) ولقوله : (ثمّ يخرجكم) وقال : وقد قال قوم (طفلا) حال وهذا أحسن إلا أن الحال إذا وقعت موقع التمييز لزمها ما لزمه كما أن المصدر إذا وقع موقع الحال لم يكن إلا نكرة تقول : جاء زيد مشيا فهو مصدر ومعناه ماشيا وهذا كقوله تعالى : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) [البقرة : ٢٦٠] ؛ لأنه في هذه الحال.
__________________
(١) أقسام التمييز المبين لجهة النسبة فأربعة :
أحدها : أن يكون محوّلا عن الفاعل كقول الله عز وجل (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أصله واشتعل شيب الرأس وقوله تعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) أصله ، فإن طابت أنفسهنّ لكم عن شيء منه فحوّل الإسناد فيهما عن المضاف وهو الشيب في الآية الأولى والأنفس في الآية الثانية الى المضاف اليه وهو الرأس وضمير النسوة فارتفعت الرأس وجيء بدل الهاء والنون بنون النسوة ثم جيء بذلك المضاف الذي حوّل عنه الإسناد فضلة وتمييزا وأفردت النفس بعد أن كانت مجموعة ؛ لأن التمييز انما يطلب فيه بيان الجنس وذلك يتأدى بالمفرد.
الثاني : أن يكون محوّلا عن المفعول كقوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) قيل التقدير (وَفَجَّرْنَا) عيون الأرض وكذا قيل في غرست الأرض شجرا ونحو ذلك.
الثالث : أن يكون محوّلا عن غيرهما كقوله تعالى (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) أصله مالي أكثر فحذف المضاف وهو المال وأقيم المضاف اليه وهو ضمير المتكلم مقامه فارتفع وانفصل وصار أنا أكثر منك ثم جيء بالمحذوف تمييزا ومثله زيد أحسن وجها وعمرو أنقى عرضا وشبه ذلك التقدير وجه زيد أحسن وعرض عمرو أنقى.
الرابع : أن يكون غير محوّل كقول العرب لله درّه فارسا وحسبك به ناصرا وقول الشاعر :
(يا جارتا ما أنت جاره ...)
يا حرف نداء جارتا منادى مضاف للياء وأصله يا جارتي فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ما مبتدأ وهو اسم استفهام أنت خبره والمعني عظمت كما يقال زيد وما زيد أي شيء عظيم وجارة تمييز وقيل حال وقيل ما نافية وأنت اسمها وجارة خبر ما الحجازية أي لست جارة بل أنت أشرف من الجارة والصواب الأول. انظر شرح شذور الذهب ١ / ٣٣٣.