واعلم أنه قبيح أن يلي (إن) المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل قبيح أن تقول : قد عرفت أن يقوم زيد : حتى تفصل بين أن والفعل بشيء يكون عوضا من الاسم نحو : لا وقد والسين.
تقول : قد عرفت أن لا يقوم زيد وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال : عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] ، وقوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(١) [طه : ٨٩].
وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيرا فإنهم إنما أجازوه ؛ لأنه دعاء ولا يصلون إلى (قد) هنا ولا إلى (السين) لو قلت : أما أن يغفر الله لك لجاز ؛ لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه : أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع.
وسمعناهم يقولون : أما أن جزاك الله خيرا شبهوه (بأنه) أضمروا فيها كما أضمروا في (أن) فلما جازت (أن) كانت هذه أجوز.
واعلم أنك إذا عطفت اسما على أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع تحمله على الابتداء يعنى موضع أن فتقول : إن زيدا منطلق وعمرا وعمرو ؛ لأن معنى : إن زيدا منطلق زيد منطلق قال الله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣].
__________________
(١) قال الأشموني : الخامس إذا قيل جئت لتكرمني فالنصب بأن مضمرة ، وجوّز أبو سعيد كون المضمر كي ، والأول أولى ؛ لأن أن أمكن في عمل النصب من غيرها فهي أقوى على التجوّز فيها بأن تعمل مضمرة و (كذا بأن) أي من نواصب المضارع أن المصدرية نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا) (البقرة : ١٨٤) ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (الشعراء : ٨٢) ، (لا بعد علم) أي ونحوه من أفعال اليقين فإنها لا تنصبه لأنها حينئذ المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) (المزمل : ٢٠) ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) (طه : ٨٩) ، أي أنه سيكون وأنه لا يرجع. ، وأما قراءة بعضهم أن لا يرجع بالنصب وقوله :
نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا |
|
أن لا يدانينا من خلقه بشر |
فمما شذ. نعم إذا أول العلم بغيره جاز وقوع الناصبة بعده ، ولذلك أجاز سيبويه ما علمت إلا أن تقوم بالنصب ، قال ؛ لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك أشير عليك أن تقوم : وقيل يجوز بلا تأويل.
ذهب إليه الفراء وابن الأنباري. والجمهور على المنع. انظر شرح الأشموني ١ / ٣٣٥.