والثاني : أن تكون في معنى (أي) التي تقع للعبارة والتفسير ، وذلك قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦]. ومثله : (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ٧٢].
والثالث : أن تكون فيه زائدة مؤكدة ، وذلك قولك : لما أن جاز زيد قمت ، والله أن لو فعلت لأكرمتك ، قال الله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) [العنكبوت : ٣٣].
والرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة ، وذلك قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠]. ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز.
قال سيبويه : لا تخففها أبدا في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة تضمر فيها الاسم يعني الهاء قال : ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر يريدون معنى (كأن) ولم يريدوا الإضمار ، وذلك قوله :
كأنّ وريديه رشاء خلب ... (١)
قال : وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى (إن) فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل فلا يتغير عن عمله نحو : لم يكن صالحا ولم يك صالحا ومثل ذلك يعني الأول قول الأعشى :
في فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل |
كأنه قال : إنه هالك ، وإن شئت رفعت في قول الشاعر : كأن وريداه رشاء خلب.
__________________
(١) كأن : مخفّفة من" كأنّ" ولا يختلف عملها عن المشدّدة ويجوز إثبات اسمها ، وإفراد خبرها كقول رؤبة :
كأن وريديه رشاء خلّب
(الوريدان : عرقان في الرّقبة وهو اسم" كأن" والرّشاء : الحبل وهو خبرها ، الخلّب : اللّيف ، ورواية هذا الشطر باللسان هكذا" كأن وريداه رشاءا خلّب" قال : ويروى : وريديه على إعمال" كأن" وكقول باغث بن صريم اليشكري :
ويوما توافينا بوجه مقسّم |
|
كأن ظبية تعطوا إلى وراق السّلم |
(يروى برفع ظبية على حذف الاسم أي كأنّها وبالنصب على حذف الخبر ، أيّ كأنّ مكانها ظبية ، وبالجر على الأصل" كظبية" وزيدت" إن" بينهما"). انظر معجم القواعد العربية ٢٣ / ١٦.