فكأنك قلت : ما قام إلا زيد وكذلك البدل من المنصوب والمخفوض تقول : ما ضربت إلا أحدا إلا زيدا وما مررت بأحد إلا زيد فالمبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام وهذا يبين في باب البدل ، فإن لم تقدر البدل وجعلت قولك : ما قام أحد كلاما تاما لا ينوي فيه الإبدال من (أحد) نصبت فقلت : ما قام أحد إلا زيدا.
والقياس عندي إذا قال قائل : قام القوم إلا أباك فنفيت هذا الكلام أن تقول : ما قام القوم إلا أباك ؛ لأن حق حرف النفي أن ينفي الكلام الموجب بحاله وهيئته فأما إن كان لم يقصد إلى نفي هذا الكلام الموجب بتمامه وبني كلامه على البدل قال : ما قام القوم إلا أبوك ، فإن قدمت المستثنى لم يكن إلا النصب نحو قولك : ما لي إلا أباك صديق وما فيها إلا زيدا أحدا ؛ لأنه قد بطل البدل فلم يتقدم ما يبدل فيه ؛ لأن البدل كالنعت إنما يجري على ما قبله ، فإن أوقعت استثناء بعد استثناء قلت : ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا.
فتنصب عمرا ؛ لأنه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف فهذا مما يبصرك أن النصب واجب بعد استغناء الرافع بالمرفوع.
ولك أن تقول : ما أتاني أحد إلا زيد إلا عمرا وإلا زيدا إلا عمرو فتنصب أيهما شئت وترفع الآخر.
وتقول : ما أتاني إلا عمرا إلا بشرا أحد.
فإن استثنيت بعد الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت زيدا درهما قلت : أعطيت الناس الدراهم إلا زيدا ولا يجوز أن تقول : إلا عمرا الدنانير ؛ لأن حرف الاستثناء إنما تستثني به واحدا ، فإن قلت : ما أعطيت أحدا درهما إلا عمرا دانقا وأردت الاستثناء أيضا لم يجز ، فإن أردت البدل جاز فأبدلت عمرا من أحد ودانقا من قولك : درهما فكأنك قلت : ما أعطيت إلا عمرا دانقا.
واعلم أنهم قد يحذفون المستثنى استخفافا نحو قولهم : ليس إلا وليس غير كأنه قال : ليس إلا ذاك وليس غير ذلك.