قال أبو العباس رحمه الله : يزعم البغداديون : أن قولهم : إلا في الاستثناء إنما هي إن ولا ولكنهم خففوا إن لكثرة الاستعمال ويقولون إذا قلنا : ما جاءني أحد إلا زيد.
فإنما رفعنا زيدا (بلا) ، وإن نصبنا فـ (بإن).
ونحن في ذلك مخيرون في هذا ؛ لأنه قد اجتمع عاملان (إن ولا) فنحن نعمل أيهما شئنا وكذلك يقولوا جاءني القوم إلا زيدا ولا يعرفون ما نقول نحن أن رفعه على الوصف في معنى غير فيلزمهم أن يقولون : ما جاءني إلا زيدا إذا أعملوا (إن) وهم لا يقولون به فسألناهم : لم ذلك فقالوا : لأن أحد مضمرة قلت ذاك أجدر أن يجوز النصب كما يجوز إذا أظهرت أحدا فلم يكن في ذاك وما يتولد فيه من المسائل حجة وهذا فاسد من كل وجه ذكرنا إياه يجعل له حظا فيما يلتفت إليه ويجب على قولهم أن تنصب النكرات في الاستثناء بلا تنوين لأن : لا تنصب النكرات بلا تنوين.
قال سيبويه : إذا قلت لو كان معنا زيد رجل إلا زيد لغلبنا الدليل على أنه وصف أنك لو قلت : لو كان معنا إلا زيد لهلكنا وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت ونظير ذلك قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] ومثل ذلك قوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : ٩٥] ، ومثله قول لبيد :
وإذا جوزيت قرضا فأجزه |
|
إنّما يجزي الفتى غير الجمل |
قال أبو العباس رحمه الله : لو كان معنا إلا زيدا لغلبنا أجود كلام وأحسنه والدليل على جودته أنه بمنزلة النفي نحو قولك : ما جاءني أحد إلا زيد وما جاءني إلا زيد أنك لو قلت : لو كان معنا أحد إلا زيد لهلكنا فزيد معك كما قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] والله تعالى فيهما.
وتقول : لو كان لنا إلا زيدا أحد لهلكنا كما تقول : ما جاءني إلا زيدا أحد والدليل على جودة الاستثناء أيضا أنه لا يجوز أن يكون إلا وما بعدها وصفا إلا في موضع لو كان فيه استثناء لجاز.