عندنا إنما انتصب الثاني ؛ لأنه لا يجوز أن يرفع بالفعل فاعلان وقد مضى تفسير ذلك ، وإذا نسقت جاز رفعهما جميعا فقلت : ما جاءني أحد إلا زيد وغير عمرو قال الشاعر :
ما بالمدينة دار غير واحدة |
|
دار الخليفة إلا دار مروانا |
ترفع (غير) وتنصب دار مروان ولك أن تنصبهما جميعا على قولك : ما جاءني أحد إلا زيدا ورفعهما جميعا لا يجوز إلا على أن تجعل (غير) نعتا فيصير الكلام كأنك قلت : ما بالمدينة دار كبيرة إلا دار مروان.
ولا يجوز أن يقع بعد إلا شيئان مختلفان على غير جهة البدل لا يجوز : ما أكل إلا عبد الله طعامك.
ولا ما أكل إلا طعامك عبد الله وقد مضى تفسير هذا ، فإن جعلت (إلا) بمعنى غير فقد أجازه قوم.
وإذا قال القائل : الذي له عندي مائة درهم إلا درهمين فقد أقر بثمانية وتسعين ، وإذا قال : الذي له عندي مائة إلا درهمان فقد أقر بمئة ؛ لأن المعنى : له عندي مائة غير درهمين.
وكذلك لو قال : له عليّ مائة غير ألف.
كان له مائة ألا ترى أنه لو قال : له عليّ مائة مثل درهمين جاز أن يكون المعنى : أن المائة درهمان.
وكذلك لو قال : له عليّ مئة مثل ألف كان عليه ألف (فغير) نقيض مثل ، وإذا قلت : ما له عندي إلا درهمين فأردت أن تقر بما بعد (إلا) رفعته لأنك إذا قلت : ما له عندي مئة إلا درهمان فإنما رفعت درهمان بأن جعلته بدلا من (مئة) فكأنك قلت : ما له عندي إلا درهمان ، وإذا نصبت فقلت : ما له عندي مئة إلا درهمين فما أقررت بشيء ؛ لأن (عندي) لم ترفع شيئا فيثبت له عندك فكأنك قلت : ما له عندي ثمانية وتسعون.
كذلك إذا قلت ما لك عليّ عشرون إلا درهما فإذا قلت : ما لك عشرون إلا خمسة فأنت تريد : ما لك إلا خمسة وتقول : لك عليّ عشرة إلا خمسة ما خلا درهما فالذي له ستة.