وقال الآخر :
فقد مات شمّاخ ومات مزوّد |
|
وأيّ كريم لا أباك مخلّد (١) |
__________________
اللفظ ، فضعف اقتضاء المعنى مع وجود المانع اللفظيّ. فإنّ هذا مثل لم يقصد به نفي الأب وإنّما قصد به الذمّ.
وكذلك لا يدي لك ، إنّما المراد لا طاقة لك بها.
وهو قياس من النّحويين على قولهم لا أبا لك. وفي الكتاب : لا أبا فاعلم لك ؛ وفيه دليل على أنّه ليس بمضاف. ويجوز أن تكون الألف لام الكلمة كما قال : " الرجز" إنّ أباها وأبا أباها فأمّا قوله تخوّفيني ، فإنّه أراد تخوفينني فحذف إحدى النونين : فقيل حذف الأولى كما حذف الإعراب ، في قول امرئ القيس : " السريع" فاليوم أشرب غير مستحقب وقال المبرّد حذف الثانية ، وهو أولى لأنّها إنما زيدت مع الياء لتقي الفعل من الكسرة ، والأولى علامة الرفع انتهى كلامه.
وإذا كان الأمر كذلك علم أنّ قولهم لا أبا لك إنّما فيه تعادي ظاهره ، واجتماع صورتي الفصل والوصل والتعريف والتنكير لفظا لا معنى. ونحن إنّما عقدنا فساد الأمر وصلاحه على المعنى كأن يكون الشيء الواحد في الوقت الواحد قليلا كثيرا. هذا ما لا يدّعيه مدّع. انظر خزانة الأدب ١ / ٤٩٦.
(١) وقوله : " وفد مات شمّاخ ومات مزرّد" هما أخوان لأب وأمّ ، وصحابيان ، وشاعران. وقد تقدّمت ترجمة الشمّاخ في الشاهد الحادي والتسعين بعد المائة.
واسمه معقل بن ضرار ، والمزرّد اسمه يزيد بن ضرار ، وإنّما سمّي مزرّدا بقوله : " الطويل".
فقلت تزرّدها عبيد فإنّني |
|
لدرد الموالي في السّنين مزرّد |
ولهما أخ آخر شقيقهما وهو جزء بن ضرار ، بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة. ومات الشمّاخ وجزء متهاجرين.
وسبب ذلك على ما روى الكلبيّ أنّ الشمّاخ كان يهوى امرأة من قومه يقال لها كلبة بنت جوّال ، وكان يتحدّث إليها ويقول فيها الشعر ، فخطبها فأجابته وهمّت أن تتزوجه ، ثم خرج إلى سفر له فتزوّجها أخوه جزء ، فآلى الشمّاخ أن لا يكلمه أبدا ، وهجاه بقصيدته التي يقول فيها : " الطويل"
لنا صاحب قد خان من أجل نظرة |
|
سقيم فؤاد حبّ كلبة شاغلة |
فماتا متهاجرين.
وقوله : " لا أبا لك" ، جملة اعتراضيّة بين أيّ عزيز وهو موصوف ، وبين يمنع وهو صفة لأيّ. وكذلك يخلّد ومخلّد على تلك الرواية. انظر خزانة الأدب ١ / ٤٩٥.