وحكى سيبويه عن العرب : لا كزيد أحد ولا مثله أحد فحمله على الموضع والموضع رفع ، وإن شئت حملته على (لا) فتونته ونصبته ، وإن شئت قلت : لا مثله رجلا على التمييز كما تقول : لي مثله غلاما قال ذو الرمة :
هي الدّار إذ ميّ لأهلك جيرة |
|
ليالي لا أمثالهنّ لياليا (١) |
__________________
(١) على أنّ" زائرا" قيل منصوب على تقدير فعل ، أي : لا أرى كعشية اليوم زائرا. وإنما لم يجعل الكاف اسما ل" لا" مضافا إلى العشيّة ويكون زائرا عطف بيان للكاف تبعه على اللفظ أو صفة على طرز البيت الذي قبله ، لأنّ الزّائر غير العشية ، فلما كان الثاني غير الأوّل لعدم صحّة الحمل جعلت" لا" نافية للفعل المقدّر دون كونها نافية للجنس.
وصاحب هذا القيل هو سيبويه ، وهذا نصّه : وأما قول جرير : لا كالعشيّة زائرا ومزورا فلا يكون إلّا نصبا ، من قبل أنّ العشيّة ليست بالزائر ، وإنما أراد لا أرى كالعشيّة زائرا ، كما تقول ما رأيت كاليوم رجلا ، فكاليوم مثل قولك في اليوم لأنّ الكاف ليست باسم. وفيه معنى التعجّب كما قال تالله رجلا ، وسبحان الله رجلا ، إنّما أراد تالله ما رأيت رجلا وسبحان الله ما رأيت رجلا ؛ لكنه يترك إظهار الفعل استغناء ، لأنّ المخاطب يعلم أنّ هذا الموضع إنّما يضمر فيه هذا الفعل لكثرة استعمالهم إيّاه انتهى.
قال الأعلم : اصله لا أرى زائرا ومزورا كزائر العشيّة ومزورها ، فحذف اختصارا للعلم ، كما قالوا : ما رأيت كاليوم رجلا ، أي : كرجل أراه اليوم. ولا تجيزن في هذا رفع الزائر ، لأنّه غير العشيّة ، وليس بمنزلة لا كزيد رجل ، لأنّ زيدا من الرجال انتهى.
وقد نقل أبو العباس ثعلب في" أماليه" قاعدة لحذف الفعل مع الظرف الزمانيّ ، قال : حكى الكسائيّ نزلنا المنزل الذي البارحة ، والمنزل الذي آنفا ، والمنزل الذي أمس. فيقولون في كلّ وقت شاهدوه من قرب ، ويحذفون الفعل وحده كأنّهم يقولون : نزلنا المنزل الذي نزلنا أمس ، والذي نزلناه اليوم ؛ اكتفوا بالوقت من الفعل ، ٧ ذ كان الوقت يدّل على الفعل وهو قريب. ولا يقولون الذي يوم الخميس ، ولا الذي يوم الجمعة.
وكذا يقولون : لا كاليوم رجلا. ولا كالعشيّة رجلا ، ولا كالسّاعة رجلا ، فيحذفون مع الأوقات التي هم فيها. وأباه الفرّاء مع العلم. وهو جائز وأنشد : لا كالعشية زائرا ومزورا وكلّ ما كان فيه الوقت فجائز أن يكون بحذف الفعل معه ، لأنّ الوقت القريب يدل على فعل لقربه. انتهى.
وقد قدّر أبو عليّ الفارسيّ في" المسائل المنثورة" فعلين ، قال : نصب زائرا لأنّ الفعل مقدّر ، فكأن تقديره :لا أرى زائرا ومزورا له كرجل أراه العشيّة. فنصبه على الفعل وحذف ذلك لما في الكلام من الدّلالة عليه.