قال سيبويه : وأما قول جرير :
لا كالعشيّة زائرا ومزورا
فلا يكون إلا نصبا من قبل أن العشية ليست بالزائر وإنما أراد : لا أرى كالعشية عشية زائرا كما تقول : ما رأيت كاليوم رجلا فكاليوم كقولك : في اليوم.
لأن الكاف ليست باسم وفيه معنى التعجب كما قال : تالله رجلا ، وسبحان الله رجلا ، إنما أراد : تالله ما رأيت رجلا ، ولكنه يترك إظهار الفعل استغناء.
وتقول : لا كالعشية ولا كزيد رجل.
لأن الآخر هو الأول ولأن زيدا رجل وصار : لا كزيد كأنك قلت : لا أحد كزيد ثم قلت : رجل كما تقول : لا مال له قليل ولا كثير على الموضع قال امرؤ القيس :
ويلمها في هواء الجوّ طالبة |
|
ولا كهذا الذي الأرض مطلوب (١) |
__________________
ويجوز الرفع هاهنا ، وهو قبيح لأنّ الزّائر ليس هو العشية ، ويجوز رفعه كأنّك أردت كصاحب العشيّة ، فحذفت صاحبا وجعلت العشيّة إذا رفعتهما دلالة على ما حذفت. انظر خزانة الأدب ١ / ٤٩٣.
(١) على أنّ قوله : " مطلوب" ، عطفت بيان لاسم" لا" المضاف : فإن الكاف اسم مضاف لاسم الإشارة في محل نصب بلا على أنه اسمها ؛ وقد تبعه البيان بالرفع باعتبار أنّ" لا" مع اسمها في محلّ رفع على الابتداء والخبر محذوف ، أي : موجود ونحوه. ويجوز أن يكون مطلوب صفة اسم لا ، ولا يضرّ إضافة الكاف إلى اسم الإشارة ، فإنها بمعنى مثل ، وهي لا تتعرّف بالإضافة إلى المعرفة. هذا محصّل ما قاله الشارح المحقق.
وفيه أنّهم قالوا : إنّ البيان يكون في الجوامد ، والصفة تكون في المشتقّات ، فكيف لا يكون فرق بين البيان والوصف.
وقد أورد سيبويه هذا البيت من باب الوصف لا غير. قال الأعلم : الشاهد فيه رفع" مطلوب" حملا على موضع الكاف ، لأنّها في تأويل مثل وموضعها موضع رفع ، وهو بمنزلة لا كزيد رجل. ولو نصب حملا على اللفظ أو على التمييز لجاز. انتهى.
ونقل ابن السراج في الأصول عن سيبويه أنّ اسم" لا" في مثل هذا محذوف والكاف حرف ، وهذا كلامه :وتقول لا كزيد رجل ، لأنّ الآخر هو الأوّل ولأنّ زيدا رجل ، وصار لا كزيد كأنّك قلت : لا أحد كزيد ثم قلت رجل ، كما تقول لا مال له قليل ولا كثير على الموضع. انظر خزانة الأدب ١ / ٤٩١.