فأما قولهم : مررت بالرجل كلّ الرجل ، فقال أبو العباس معناه : مررت بالرجل المستحقّ ؛ لأن يكون الرجل الكامل لأنك لا تقول : ذاك إلا وأنت تريد حزمه ونفاذه أو جبنه وشجاعته وما أشبه ذلك فإذا قلت : مررت بالرجل كل الرجل فهو كقولك : مررت بالعالم حقّ العالم ومررت بالظريف حقّ الظريف ولو قلت على هذا : مررت بزيد كل الرجل لم يجز إلا ضعيفا ؛ لأن زيدا اسم علم وليس فيه معنى تقريظ ولا تخسيس وكذلك : مررت برجل كلّ رجل وبعالم حق عالم وبتاجر خير تاجر فجميع هذا ثناء مؤكد وليس بنعت يخلص واحدا من آخر ولو قلت : زيد كلّ الرجل فجعلته خبرا صلح ؛ لأنه ليس بتأكيد لشيء ولكنه ثناء خالص كما تقول : زيد حقّ العالم وزيد عين العالم لأنك لو قلت : مررت بزيد حقّ العالم لم يكن هذا موضعه وتقول : مررت بالرجلين كليهما ومررت بالمرأتين كلتيهما ولك أن تجري ثلاثتهم وأربعتهم مجرى كلهم فتقول : مررت بهم ثلاثتهم ولك أن تنصب كما تنصب (وحده) في قولك : مررت برجل وحده وكذلك المؤنث : مررت بهن ثلاثتهن وأربعتهن ولك أن تقول : أتينني ثلاثتهن وأربعتهن نصبا ورفعا قال الأخفش : فإذا جاوزت العشرة لم يكن إلا مفتوحا إلى العشرين تقول للنساء أتينني ثماني عشرهن وللرجال أتوني ثمانية عشرهم ، وأما نصبك (وحده) فعلى المصدر كأنك قلت : أوحدته إيحادا فصار وحده كقولك : إيحادا كأنك قلت :أفردته إفرادا وتقول : إنّ المال لك أجمع أكتع إذا أردت أن تؤكد ما في (لك).
وأما (كلهم) فالأحسن أن تكون جامعين وقد يجوز أن تلي العوامل وتقول إن القوم جاءوني كلهم وكلهم : النصب إذا أكدت (القوم) والرفع إذا أكدت الفاعلين المضمرين في (جاءوني) ويجوز أن تقول : إن قومك كلهم ذاهب يحسن عند الخايل أن يكون مبتدأ بعد أن تذكر (قومك) فيشبه التوكيد ؛ لأن التوكيد لا يكون إلا جاريا على ما قبله ويجوز أيضا قومك ضربت كلهم لهذه الإضافة الواقعة في (كلّ) فصار معاقبا (لبعضهم) كقولك : ضربت بعضهم وهو على ذلك ضعيف والصواب الجيد : قومك ضربتهم كلهم ؛ لأن المعنى معنى (أجمعين) في العموم والتأكيد فأما قوله عز وجل : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤] فالنصب على التوكيد للأمر والرفع على قولك : إن الأمر جميعه لله.