وأبو العباس رحمه الله لا يجيز : ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك والذي بدأ به سيبويه الرفع في قولك : ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة والنصب في (ونارا) هو الوجه وهذه الحروف شواذ فأما من ظنّ أن من جر آيات في الآية فقد عطف على عاملين فغلط منه وإنما نظير ذلك قولك : إنّ في الدار علامة للمسلمين والبيت علّامة للمؤمنين فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإعادة للتأكيد لما طال الكلام كما تعاد (إن) إذا طال الكلام وقد ذكرنا هذا في باب إنّ وأنّ ولو لا أنا ذكرنا التأكيد وأحكامه فيما تقدم لذكرنا هاهنا منه طرفا كما أنك لو قلت : إنّ في الدار الخير والسوق والمسجد والبلد الخير كان إعادته تأكيدا وحسن لما طال الكلام فآيات الأخيرة هي الأولى وإنما كانت تكون فيه حجة لو كان الثاني غير الأول حتى يصيرا خبرين ، وأما من رفع وليست (آيات) عنده مكررة للتأكيد فقد عطف أيضا على عاملين نصب أو رفع ؛ لأنه إذا قال : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فإذا رفع فقد عطف (آيات) على الابتداء وإختلافا على (في) ، وذلك عاملان ولكنه إذا قصد التكرير رفع أو نصب فقد زال العطف على عاملين فالعطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموع من العرب ولو جاز العطف على عاملين لجاز على ثلاثة وأكثر من ذلك ولو كان الذي أجاز العطف على عاملين أي شاهد عليه بلفظ غير مكرر نحو : (إنّ في الدار زيدا والمسجد عمرا) وعمرو غير زيد لكان ذلك له شاهدا على أنه إن حكى مثله حاك ولم يوجد في كلام العرب شائعا فلا ينبغي أن تقبله وتحمل كتاب الله عز وجل عليه.