وروى خصيف عن مجاهد قال : علّمه اسم كلّ شيء.
وقال غيرهما : إنما علّمه أسماء الملائكة.
وقال آخرون : علّمه أسماء ذرّيّته أجمعين.
قال ابن فارس : والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابن عبّاس.
فإن قال قائل : لو كان ذلك كما تذهب إليه لقال : ثم عرضهنّ أو عرضها ، فلما قال :عرضهم ، علم أن ذلك لأعيان بني آدم أو الملائكة ؛ لأن موضوع الكناية في كلام العرب أن يقال لما يعقل : عرضهم ، ولما لا يعقل : عرضها أو عرضهنّ.
قيل له : إنما قال ذلك ـ والله أعلم ـ لأنه جمع ما يعقل وما لا يعقل فغلب ما يعقل ، وهي سنّة من سنن العرب ـ أعني : باب التغليب ـ وذلك كقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥].
فقال : (منهم) تغليبا لمن يمشي على رجلين وهم بنو آدم.
فإن قال : أفتقولون في قولنا : سيف وحسام وعضب إلى غير ذلك من أوصافه إنه توقيف حتى لا يكون شيء منه مصطلحا عليه قيل له : كذلك نقول.
والدليل على صحته إجماع العلماء على الاحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه ثم احتجاجهم بأشعارهم ، ولو كانت اللغة مواضعة واصطلاحا لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأولى منّا في الاحتجاج (بنا) لو اصطلحنا على لغة اليوم ولا فرق.
ولعل ظانا يظنّ أن اللغة التي دللنا على أنها توقيف إنما جاءت جملة واحدة وفي زمان واحد ، وليس الأمر كذلك ، بل وقّف الله عزّ وجلّ آدم عليه السّلام على ما شاء أن يعلّمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه ، وانتشر من ذلك ما شاء الله ، ثم علّم بعد آدم من الأنبياء صلوات الله عليهم نبيّا نبيّا ما شاء الله أن يعلّمه ، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد فآتاه الله من ذلك ما لم