وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها ، وجمّاع شاردها وآنسها ، ممّن سارت أخباره ، وعرفت به أشعاره ، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره ، إلى تآليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين ، ممّا يشهد أنّه فرع تلك الأصول ، ومن أهل ذلك البيت الجليل ، ومُلَح الشريف وفضائله كثيرة.
وحكى الخطيب التبريزي : أنّ أبا الحسن عليّ بن أحمد بن عليِّ بن سلك الفالي (١) الأديب كان له نسخة لكتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة ، فدعته الحاجة إلى بيعها ، فباعها فاشتراها الشريف المرتضى بستِّين ديناراً فتصفّحها فوجد فيها أبياتاً بخطِّ بائعها أبي الحسن المذكور ، والأبيات قوله :
أَنِستُ بها عشرينَ حولاً وبعتُها |
|
فقد طالَ وجدي بعدَها وحنيني |
وما كان ظنّي أنّني سأبيعُها |
|
ولو خلَّدَتني في السجون ديوني |
ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ |
|
صغارٍ عليهمْ تستهلُّ شئوني |
فقلت ولم أملك سوابِق عبرتي |
|
مقالة مكويِّ الفؤادِ حزينِ |
وقد تخرجُ الحاجاتُ يا أُمَّ مالكٍ |
|
كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ |
فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمهالله تعالى.
وقال السيّد ابن زهرة في غاية الاختصار (٢) : علم الهدى الفقيه النظّار ، سيّد الشيعة وإمامهم ، فقيه أهل البيت ، العالم المتكلّم البعيد ، الشاعر المجيد ، كان له برّ وصدقة وتفقّد في السرّ ، عرف ذلك بعد موته رحمهالله ؛ كان أسنَّ من أخيه ولم يُرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالةً ورئاسةً وتحابباً وتوادداً. لمّا مات الرضي لم يصلِّ المرتضى عليه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالكاً في الحزن. ترك المرتضى خمسين ألف دينار ، ومن الآنية والفرش والضياع ما يزيد على ذلك.
__________________
(١) نسبة إلى فالة ، وهي بلدة بخوزستان قريبة من إيذج [معجم البلدان : ٤ / ٢٣٢]. (المؤلف)
(٢) غاية الاختصار : ص ٧٦.