الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق في السجن مدّة ، وعزم على قطع لسانه ، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له ، وأمر بنفيه من دمشق ، فلمّا ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ، ثمّ تغيّر عليه إسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه ، فهرب واختفى في مسجد الوزير أيّاماً ، ثمّ خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشماليّة ، يتنقل من حماة (١) إلى شيزر وإلى حلب ، ثمّ قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملك العادل لمّا حاصر دمشق الحصر الثاني ، فلمّا استقرَّ الصلح دخل البلد ورجع مع العسكر إلى حلب فمات بها ، ولقد رأيته غير مرّة ولم أسمع منه ، فأنشدني الأمير أبو الفضل اسما عيل ابن الأمير أبي العساكر سلطان بن منقذ قال : أنشدني ابن منير لنفسه (٢):
أخلى فصدَّ عن الحميمِ وما اختلى |
|
ورأى الحِمامَ يغصُّهُ فتوسّلا |
ما كان واديه بأوّلِ مرتعٍ |
|
ودعت طلاوته طلاه فأجفلا |
وإذا الكريمُ رأى الخمولَ نزيلَهُ |
|
في منزلٍ فالحزمُ أن يترحّلا |
كالبدرِ لمّا أن تضاءلَ نورُهُ |
|
طلبَ الكمالَ فحازه متنقّلا |
ساهمتَ عيسَكَ مُرَّ عَيشِكَ قاعداً |
|
أفلا فليتَ بهنّ ناصيةَ الفلا |
فارِق تَرقْ كالسيفِ سُلَّ فبان في |
|
متنَيه ما أخفى القرابُ وأخملا |
لا تحسبنَّ ذهابَ نفسك ميتةً |
|
ما الموتُ إلاّ أن تعيشَ مذلَّلا (٣) |
للقفرِ لا للفقرِ هبها إنّما |
|
مغناك ما أغناك أن تتوسّلا |
لا ترضَ عن دنياك ما أدناك من |
|
دنسٍ وكن طيفاً جلا ثمّ انجلى |
وصِلِ الهجيرَ بهجرِ قومٍ كلّما |
|
أمطرتهم عسلاً جنوا لك حنظلا |
__________________
(١) بلدة شهيرة بينها وبين شيزر نصف يوم ، وبينها وبين دمشق خمسة أيّام للقوافل ، وبينها وبين حلب أربعة أيّام [معجم البلدان : ٢ / ٣٠٠]. (المؤلف)
(٢) ديوان ابن منير : ص ١٠٢.
(٣) هذا البيت وبيت واحد بعده ذكرهما ابن خلّكان في تاريخه : ١ / ٥١ [١ / ١٥٦ رقم ٦٤](المؤلف)