وهو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنيا والدين ، فحازوا شرف الدارين ، وحُبوا بالعلم الناجع والإمرة العادلة ، بينا هو فقيه بارع كما في خواصِّ العصر الفاطمي ، وأديب شاعر مجيد كما طفحت به المعاجم ، فإذا به ذلك الوزير العادل تزدهي القاهرة بحسن سيرته ، وتعيش الأمّة المصريّة بلطف شاكلته ، وتزدان الدولة الفاطميّة بأخذه بالتدابير اللازمة في إقامة الدولة ، وسياسة الرعيّة ، ونشر الأمن ، وإدامة السلام ، وكان كما قال الزركلي في الأعلام (١) : وزيراً عصاميّا يعدُّ من الملوك ، ولقّب بالملك الصالح ، وقد طابق هذا اللفظ معناه كما يُنبئك عنه تاريخه المجيد ، فلقد كان صالحاً بعلمه الغزير وأدبه الرائق ، صالحاً بعدله الشامل وورعه الموصوف ، صالحاً بسياسته المرضيّة وحسن مداراته مع الرعيّة ، صالحاً بسيبه الهامر ونداه الوافر ، صالحاً بكلّ فضائله وفواضله دينيّة ودنيويّة ، وقبل هذه كلّها تفانيه في ولاء أئمة الدين عليهمالسلام ونشر مآثرهم ودفاعه عنهم بفمه وقلمه ونظمه ونثره ، وكان يجمع الفقهاء ويناظرهم في الإمامة والقدَر ، وكان في نصر التشيّع كالسكّة المحماة ، كما في الخطط (٢) والشذرات (٣).
وله كتاب الاعتماد (٤) في الردّ على أهل العناد ، يتضمّن إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام والكلام على الأحاديث الواردة فيها ، وديوانه مجلّدان فيه كلّ فنٍّ من الشعر ، وقد شرح سعيد بن مبارك النحوي الكبير المتوفّى سنة (٥٦٩) بيتاً من شعر المترجم في عشرين كرّاساً ، وكان الأدباء يزدلفون إلى دسته كلّ ليلة ويدوِّنون شعره ، والعلماء يَفدون إليه من كلّ فجٍّ فلا يخيب أمل آمل منهم ، وكان يحمل إلى العلويين في المشاهد المقدّسة كلّ سنة أموالاً جزيلةً ، وللأشراف من أهل الحرمين ما يحتاجون إليه من
__________________
(١) الأعلام : ٣ / ٢٢٨.
(٢) الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٤.
(٣) شذرات الذهب : ٦ / ٢٩٦ حوادث سنة ٥٥٦ ه.
(٤) في شذرات الذهب : الاجتهاد. (المؤلف)