وكان الناشئ حاضراً ، فلطم لطماً عظيماً على وجهه وتبعه المزوِّق والناس كلّهم ، وكان أشدّ الناس في ذلك الناشئ ثمّ المزوِّق ، ثمّ ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى الناس الظهر ، وتقوّض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئاً منهم ، فقال : والله لو أُعطيت الدنيا ما أخذتها ، فإنّني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليهاالسلام ثم آخذ عن ذلك عوضاً. وانصرف ولم يقبل شيئاً.
قال : ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتاً :
عجبتُ لكم تفنون قتلاً بسيفِكم |
|
ويسطو عليكم من لكم كان يخضعُ |
كأنّ رسولَ الله أوصى بقتلِكمْ |
|
وأجسامُكم في كلِّ أرض تُوزَّعُ |
قال الأميني : أوّل هذه القصيدة :
بني أحمدٍ قلبي لكم يتقطّعُ |
|
بمثل مصابي فيكمُ ليس يُسمعُ |
فما بقعةٌ في الأرض شرقاً ومغرباً |
|
وليس لكم فيها قتيلٌ ومصرعُ |
ظُلمتم وقُتِّلتمْ وقُسِّم فيئكم |
|
وضاقت بكم أرضٌ فلم يَحمِ موضعُ |
جسومٌ على البوغاء تُرمى وأرؤسٌ |
|
على أرؤس اللُّدْن الذوابل تُرفعُ (١) |
تُوارَوْن لم تَأْوِ فراشاً جنوبُكمْ |
|
ويُسلمني طيبُ الهجوعِ فأهجعُ |
وقال الحموي (٢) : حدّثني الخالع قال : اجتزت بالناشئ يوماً ، وهو جالسٌ في السرّاجين ، فقال لي : قد عملت قصيدةً وقد طُلبت وأُريد أن تكتبها بخطِّك حتى أُخرجها ، فقلت : أمضي في حاجة وأعود ، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه ، فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح ، فقال لي : أُحبُّ أن تقوم فتكتب قصيدة الناشئ البائية فإنّا قد نُحنا بها البارحة بالمشهد ،
__________________
(١) البوغاء : التراب الناعم ، واللُّدْن الذوابل : هي الرماح.
(٢) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.