قال فبكى عمّك وأمرني باحضار الحارثي ودفع له ألف دينار وساق عنه الدية بعد ستة أشهر ، وكان إذا رآه أكرمه ورفع مجلسه. وبسط القول في جود عمِّه عليّ بن زيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته. ثمّ قال ما ملخّصه : أدركتُ الحلم سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وفي سنة إحدى وثلاثين بعثني والدي إلى زبيد مع الوزير مسلم ابن سخت ، فنزلت فيها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنين لا أخرج عن المدرسة إلاّ لصلاة يوم الجمعة ، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين وأقمت في زبيد ثلاث سنين وجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث ، ولي في الفرائض مصنّف يُقرأ في اليمن ، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من أخوتي إلى زبيد ، وأنشدت والدي شيئاً من شعري فاستحسنه ، ثمّ قال :
تعلم والله أنّ الأدب نعمةٌ من نعم الله عليك فلا تكفرها بذمِّ الناس ، واستحلفني أن لا أهجو مسلماً قطُّ ببيت شعر فحلفت له على ذلك ، وحججت مع الملكة الحرّة أُمّ فاتك ملك زبيد ، وخرجت مرّة أخرى إلى مكّة سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وفي موسم هذه السنة مات أمير الحرمين هاشم بن فليتة وولّى الحرمين ولده قاسم بن هاشم ، فألزمني السفارة عنه والرسالة المصريّة ، فقدمتها في شهر ربيع الأوّل سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذٍ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزير له الملك الصالح طلائع بن رُزّيك ، فلمّا أُحضرت للسلام عليهما ـ في قاعة الذهب في قصر الخليفة ـ أنشدتهما قصيدة أوّلها :
الحمد للعيس بعد العزمِ والهممِ |
|
حمداً يقوم بما أولتْ من النعمِ |
لا أجحد الحقَّ عندي للركاب يدٌ |
|
تمنّت اللجْمُ فيها رتبةَ الخطمِ |
قرّبنَ بُعدَ مزارِ العزِّ من نظري |
|
حتى رأيتُ إمام العصر من أممِ |
ورُحن من كعبةِ البطحاءِ والحرمِ |
|
وفداً إلى كعبةِ المعروفِ والكرمِ |
فهل درى البيتُ أنّي بعد فرقتِهِ |
|
ما سرتُ من حرمٍ إلاّ إلى حرمِ |