ولا متّعظين حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل ، وتحلّ بهم قوارع أمرٍ جليل ، تجتث أصولهم كاجتثاث أصول الفقع (١) ، فأولى لأولئك ثم أولى ، فإنّا قد قدّمنا وأنذرنا ، إن أغنى التقدّم شيئاً ، أو نفع النُذر (٢).
فدعا معاوية الضحّاك فولاّه الكوفة ، ودعا عبد الرحمن فولاّه الجزيرة.
ثم قام الأحنف بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، فإن كنت تعلمه لله رضاً ولهذه الأُمّة ، فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك ، فلا تزوّده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة ، فإنّه ليس لك من الآخرة إلاّ ما طاب ، واعلم أنّه لا حجّة لك عند الله إن قدّمت يزيد على الحسن والحسين ، وأنت تعلم من هما ، وإلى ما هما ، وإنّما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربّنا وإليك المصير (٣).
قال الأميني : لمّا حسّ معاوية بدء إعرابه عمّا رامه من البيعة ليزيد ، أنّ الفئة الصالحة من الأُمّة قطّ لا تخبت إلى تلك البيعة الوبيلة ما دامت للحسن السبط الزكيّ ـ سلام الله عليه ـ باقية من الحياة ، على أنّه أعطى الإمام مواثيق مؤكّدة ليكون له الأمر من بعده ، وليس له أن يعهد إلى أيّ أحد ، فرأى توطيد السبل لجروه في قتل ذلك الإمام الطاهر ، وجعل ما عهد له تحت قدميه ، قال أبو الفرج : أراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن علي ، وسعد بن أبي وقّاص ، فدسّ إليهما سمّا فماتا منه (٤).
وسيوافيك تفصيل القول في أنّ معاوية هو الذي قتل الحسن السبط ـ سلام الله عليه.
__________________
(١) الفقع بالفتح والكسر ، البيضاء الرخوة من الكمأة. (المؤلف)
(٢) النذر : الإنذار ، قال تعالى : (فَكَيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر) (المؤلف)
(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ١٣٨ ـ ١٤٢ [١ / ١٤٣ ـ ١٤٨]. (المؤلف)
(٤) مقاتل الطالبيين : ص ٢٩ [ص ٨٠]. (المؤلف)