جعل بيعة أُناس معدودين لم تبلغ عدّتهم عشرة إجماعاً واتّفاقاً في بيعة أبي بكر ، وأوجب على ابن عمر اتّباعهم ، وحرّم عليه التزحزح عنهم؟ وجعل إجماع الأُمّة من المهاجرين والأنصار ورجال الأمصار على بيعة عليّ أمير المؤمنين ، وتخلّف عدّة تعدّ بالأنامل عنها خلافاً وتفرّقاً؟
وليت ابن عمر إن كان لم يأخذ بحكم الكتاب والسنّة في الاستخلاف كان يأخذ برأي أبيه فيه وقد سمعه يقول : هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ، ثم في كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء (١).
وقال في كلام له : لا تختلفوا فإنّكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم ، وإنّ هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء (٢).
ولعلّ هذا الرأي كان من المتسالم عليه عند السلف ، وبذلك احتجّ مولانا أمير المؤمنين على معاوية في كتاب له كتب إليه بقوله : «واعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعقد معهم الإمامة ، ولا يدخلون في الشورى» (٣).
وكتب ابن عبّاس إلى معاوية : ما أنت وذكر الخلافة؟ وإنّما أنت طليق وابن طليق والخلافة للمهاجرين الأوّلين ، وليس الطلقاء منها في شيء (٤) ، وفي لفظ : إنّ
__________________
(١) طبقات ابن سعد طبعة ليدن : ٣ / ٢٤٨ [٣ / ٣٤٢] ، فتح الباري : ١٣ / ١٧٦ [١٣ / ٢٠٧] ، أُسد الغابة : ٤ / ٣٨٧ [٥ / ٢١٢ رقم ٤٩٧٧]. (المؤلف)
(٢) الإصابة : ٢ / ٣٠٥ [رقم ٤٦٧١]. (المؤلف)
(٣) الإمامة والسياسة : ص ٧١ وفي طبعة ص ٨١ [١ / ٨٥] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٣٣ وفي طبعة ص ٢٨٤ [٤ / ١٣٦] ، نهج البلاغة : ٢ / ٥ ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٢٤٨ و ٣ / ٣٠٠ [٣ / ٧٦ خطبة ٤٣ ، ١٤ / ٣٦ كتاب ٦]. (المؤلف)
(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٨٥ وفي طبعة ص ٩٧ [١ / ١٠٠] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٨٩ [٨ / ٦٦ خطبة ١٢٤]. (المؤلف)