ونختم البحث بكلمة الباقلاني ، قال في التمهيد (ص ٢٣١) : إنّ عقد الإمامة لرجل على أن يقتل الجماعة بالواحد لا محالة خطأ لا يجوز ، لأنّه متعبّد في ذلك باجتهاده والعمل على رأيه ، وقد يؤدّي الإمام اجتهاده إلى أن لا يقتل الجماعة بالواحد ، وذلك رأي كثير من الفقهاء ، وقد يكون ممّن يرى ذلك ، ثم يرجع عنه إلى اجتهاد ثانٍ ، فعقد الأمر له على ألاّ يقيم الحدّ إلاّ على مذهب من مذاهب المسلمين مخصوص فاسد باطل ممّن عقده ورضي به.
وعلى أنّه إذا ثبت أنّ عليّا ممّن يرى قتل الجماعة بالواحد ، لم يجز أن يقتل جميع قتلة عثمان إلاّ بأن تقوم البيّنة على القتلة بأعيانهم ، وبأن يحضر أولياء الدم مجلسه يطالبوا بدم أبيهم ووليّهم ، ولا يكونوا في حكم من يعتقد أنّهم بغاة عليه ، وممّن لا يجب استخراج حقّ لهم ، دون أن يدخلوا في الطاعة ، ويرجعوا عن البغي ، وبأن يؤدّي الإمام اجتهاده إلى أنّ قتل قتلة عثمان لا يؤدّي إلى هرجٍ عظيم ، وفساد شديد ، قد يكون فيه مثل قتل عثمان أو أعظم منه ، وإنّ تأخير إقامة الحدّ إلى وقت إمكانه ، وتقصّي الحقّ فيه ، أولى وأصلح للأُمّة ، وألمّ لشعثهم ، وأنفى للفساد والتهمة عنهم.
هذه أمور كلّها تلزم الإمام في إقامة الحدود ، واستخراج الحقوق ، وليس لأحد أن يعقد الإمامة لرجل من المسلمين بشريطة تعجيل إقامة حدّ من حدود الله ، والعمل فيه برأي الرعيّة ، ولا للمعقود له أن يدخل في الإمامة بهذا الشرط ، فوجب اطّراح هذه الرواية (١) لو صحّت ، ولو كانا قد بايعا على هذه الشريطة فقبل هو ذلك ، لكان هذا خطأ منهم ، غير أنّه لم يكن بقادح في صحّة إمامته ، لأنّ العقد له قد تقدّم هذا العقد الثاني ، وهذه الشريطة لا معتبر بها ، لأنّ الغلط في هذا من الإمام ، الثابتة إمامته ليس بفسق يوجب خلعه وسقوط فرض طاعته عند أحد. الكلام.
__________________
(١) يعني ما روي عن طلحة والزبير من قولهم : بايعناك على أن تقتل قتلة عثمان. (المؤلف)