لا يخلف الميعاد ، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١).
فالخضوع لمثل هذه الرواية على طرف النقيض من مسلّمات الشريعة بتحريم ما كان يستبيحه معاوية ، ولذلك كان يراه مولانا أمير المؤمنين ووجوه الصحابة الأوّلين من أهل النار (٢) ، مع أنّ هذا الموضوع المفتعل كان بطبع الحال بمرأى منهم ومسمع ، إلاّ أن يكون تاريخ إيلاده بعد صدور تلكم الكلم القيّمة.
ولو كان مثل معاوية يُدرأ عنه العذاب ، ويُدعى له بالسلامة منه ، وحاله ما علمت ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلم بها منك ومن كلّ أحد ، وعنده من حقوق الناس ما لا يحصى ممّا لا تدركه شفاعة أيّ معصوم من دم مسفوك ، ومن مال منهوب ، ومن عرض مهتوك ، ومن حرمة مُضاعة ، فما حال من ساواه في الخلاعة ، أو من هو دونه في النفاق والضلال؟ وأيّ قيمة تبقى سالمة لتوعيدات الشريعة عندئذ؟ لاها الله ، هذه أُمنيّة حالم قطّ لا تتحقّق ، إلاّ أن تكون تلك المحاباة تشريفاً لابن أبي سفيان بخرق النواميس الإلهيّة ، والخروج عن حكم الكتاب والسنّة ، وتكريماً لراية هند ومكانة حمامة ، إذن فعلى الإسلام السلام.
أفمن الحقّ لمن له أقلّ إلمامة بالعلم والحديث أن يركن إلى أمثال هذه التافهات ، ولا يقتنع بذلك حتى يحتجّ بها لإمامة الرجل عن حقّ ، وصدق خلافته؟ كما فعله ابن حجر في الصواعق (٣) ، وفي هامشه تطهير الجنان (٤) (ص ٣٢) ، وكأنّه غضّ الطرف عن كلّ ما جاء في حقّ الرجل من حديث وسيرة وتاريخ ، وأغضى عن كلّ ما انتهى إليه
__________________
(١) الجاثية : ٢١.
(٢) راجع الكلمات التي أسلفناها في هذا الجزء. (المؤلف)
(٣) الصواعق المحرقة : ص ٢١٨.
(٤) تطهير الجنان : ص ٩.