والجميل هنا أنّه قد ركّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم الماديّة ، وربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل استقرار الإنسان هو وجود سكن مناسب. أو أنّ الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته ، وكذلك فإنّ أشدّ تعلّقه إنّما يكون بمسكنه.
على كلّ حال ، فإنّ هؤلاء يعون في هذا الوقت حقيقة الأمر ، ويرون ما كانوا يظنّونه مزاحا من قبل قد تجلّى أمامهم بصورة جديّة تماما ، فتعلو صرختهم : (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).
إلّا أنّ هذا الوعي الاضطراري للإنسان عند ما يواجه مشاهد العذاب لا قيمة له ، ولا يؤثّر في تغيير مصير هؤلاء ، ولذلك فإنّ القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث يضيف : (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) فيلقونهم على الأرض كالزرع المحصود ، وتبدّل مدينتهم التي غمرتها الحياة والحركة والعمران إلى قبور مهدّمة مظلمة ، فيصبحوا (خامِدِينَ) (١).
* * *
__________________
(١) خامد من مادّة الخمود ، بمعنى انطفاء النّار ، ثمّ أطلقت على كلّ شيء يفقد حركته وفاعليّته ونشاطه.