اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ولكن في النهاية نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزؤن به (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وبناء على هذا فلا تدع للغمّ والحزن إلى نفسك طريقا ، وينبغي أن لا تترك مثل أعمال الجاهلين هذه أدنى أثر في روحك الكبيرة ، أو تخلّ بإرادتك الحديديّة الصلبة.
وتقول الآية التالية : قل لهم إنّ أحدا لا يدافع عنكم أمام عذاب الله في القيامة ، بل وفي هذه الدنيا : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أي من عذابه ، فلو أنّ الله سبحانه لم يجعل السّماء ـ أي الجوّ المحيط بالأرض سقفا محفوظا كما مرّ في الآيات السابقة ـ لكان هذا وحده كافيا أن تتهاوى النيازك وتمطركم الأجرام السماوية بأحجارها ليل نهار.
إنّ الله الرحمن قد أولاكم من محبّته أن جعل جنودا متعدّدين لحفظكم وحراستكم ، بحيث لو غفلوا عنكم لحظة واحدة لصبّ عليكم سيل البلاء.
ممّا يستحقّ الانتباه أنّ كلمة «الرحمن» قد استعملت مكان (الله) في هذه الآية ، أي انظروا إلى أنفسكم كم اقترفتم من الذنوب حتّى أغضبتم الله الذي هو مصدر الرحمة العامّة؟!
ثمّ تضيف : (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) فلا هم يصغون إلى مواعظ الأنبياء ونصحهم ، ولا تهزّ قلوبهم نعم الله وذكره ، ولا يستعملون عقولهم لحظة في هذا السبيل.
ثمّ يسأل القرآن الكريم : أي شيء يعتمد عليه هؤلاء الكافرين الظالمين والمجرمين في مقابل العقوبات الإلهيّة؟ (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) (١) فهذه الأصنام لا تستطيع أن تنقذ نفسها من
__________________
(١) «يصحبون» من باب الأفعال ، وفي الأصل يعني أن يجعلوا شيئا تحت تصرّفهم بعنوان المساعدة والحماية ، وهو هنا يعني أنّ هذه الأصنام لا تملك الدفاع ذاتيا ، ولا وضعت تحت تصرفها مثل هذه القوّة من قبل الله تعالى ، ونحن نعلم أنّ أيّة قوّة دفاعية في عالم الوجود إمّا أن تنبع من ذات الشيء ، أو تمنح له من قبل الله تعالى. أي أنّها إمّا ذاتية أو عرضية.