جانبا مهمّا من المواد الغذائية والملابس ووسائل الحياة ، هي أيضا من بركات هذه الأرض وذلك الماء النازل من السّماء.
وفي النهاية ، وبعد أن أشار إلى كلّ هذه النعم ، قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى).
ممّا يستحقّ الانتباه أنّ «النهى» جمع «نهية» وهي في الأصل مأخوذة من مادّة «نهي» مقابل الأمر ، وتعني العقل الذي ينهى الإنسان عن القبائح والسيّئات ، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ تدبّر وتفكّر من أجل فهم أهميّة هذه الآيات ليس كافيا ، بل إنّ العقل والفكر المسؤول هو الذي يستطيع أن يدرك ويطلع على هذه الحقيقة.
وبما أنّ هذه الآيات دلّلت على التوحيد بخلق الأرض ونعمها ، فقد بيّنت مسألة المعاد بالإشارة إلى الأرض في آخر آية من هذه الآيات أيضا فقالت : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) وإنّه لتعبير بليغ حقّا ، ومختصر أيضا ، عن ماضي البشر وحاضره ومستقبله ، فكلّنا قد جئنا من التراب ، وكلّنا نرجع إلى التراب ، ومنه نبعث مرّة أخرى!
إنّ رجوعنا إلى التراب ، أو بعثنا منه أمر واضح تماما ، لكن في كيفيّة بدايتنا من التراب تفسيران : الأوّل : إنّنا جميعا من آدم وآدم من تراب. والآخر : إنّنا أنفسنا قد خلقنا من التراب ، لأنّ كلّ المواد الغذائية التي كوّنت أجسام آبائنا وأمهاتنا قد أخذت من هذا التراب.
ثمّ إنّ هذا التعبير ينبّه كلّ العتاة المتمردّين ، والمتّصفين بصفات فرعون ، كي لا ينسوا من أين أتوا ، وإلى أين يذهبون؟ فلما ذا كلّ هذا الغرور والعصيان والطغيان من موجود كان بالأمس ترابا ، وسيكون غدا ترابا أيضا؟
* * *