لقد كان لوط من الأنبياء العظام وكان معاصرا لإبراهيم ، وهاجر معه من أرض بابل إلى فلسطين ، ثمّ فارق إبراهيم ، وجاء إلى مدينة (سدوم) لأنّ أهلها كانوا غارقين في الفساد والمعاصي ، وخاصّة الانحرافات الجنسية. وقد سعى كثيرا من أجل هداية هؤلاء القوم ، وتحمّل المشاق في هذا الطريق ، إلّا أنّه لم يؤثّر في أولئك العمي القلوب.
وأخيرا ، نعلم أنّ الغضب والعذاب الإلهي قد حلّ بهؤلاء ، وقلب عالي مدينتهم سافلها ، وأهلكوا جميعا ، إلّا عائلة لوط ـ باستثناء امرأته ـ وقد بيّنا تفصيل هذه الحادثة في ذيل الآيات (٧٧) وما بعدها من سورة هود.
ولذلك أشارت الآية إلى هذه الموهبة التي وهبت للوط ، وهي (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ).
إنّ نسبة الأعمال القبيحة إلى القرية والمدينة بدلا من أهل القرية إشارة إلى أنّ هؤلاء كانوا قد غرقوا في الفساد والمعاصي إلى درجة حتّى كأنّ أعمال الفساد والخبائث كانت تقطر من جدران مدينتهم وأبوابها.
والتعبير بـ «الخبائث» بصيغة الجمع ، إشارة إلى أنّهم إضافة إلى فعل اللواط الشنيع ، كانوا يعملون أعمالا قبيحة وخبيثة أخرى ، أشرنا إليها في ذيل الآية (٨) من سورة هود.
والتعبير بـ «الفاسقين» بعد «قوم سوء» ربّما يكون إشارة إلى أنّ أولئك كانوا فاسقين من وجهة نظر القوانين الإلهيّة ، وحتّى مع قطع النظر عن الدين والإيمان ، فإنّهم كانوا أفرادا حمقى ومنحرفين في نظر المعايير الاجتماعية بين الناس.
ثمّ أشارت الآية إلى آخر موهبة إلهيّة للنبي لوط ، فقالت : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فهذه الرحمة الإلهيّة الخاصّة لا تعطى لأحد اعتباطا وبدون حساب ، بل إنّ أهلّية وصلاحية لوط هي التي جعلته مستحقّا لمثل هذه الرحمة.