الوقت الحاضر فإنّ هذا السجل مفتوح ، وتقرأ كلّ رسومه وخطوطه ، وكلّ منها في مكان معيّن ، أمّا إذا صدر الأمر الإلهي بقيام القيامة فإنّ هذا السجل العظيم سيطوى بكلّ رسومه وخطوطه.
طبعا ، لا يعني طي العالم الفناء كما يتصوّر البعض ، بل يعني تحطّمه وجمعه ، وبتعبير آخر : فإنّ شكل العالم وهيئته ستضطرب ويقع بعضه على بعض ، لكن لا تفنى مواده ، وهذه الحقيقة تستفاد من التعبيرات المختلفة في آيات المعاد ، وخاصة من آيات رجوع الإنسان من العظام النخرة ، ومن القبور.
ثمّ تضيف (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) وهذا التعبير يشبه التعبير الذي ورد في الآية (٢٩) من سورة الأعراف : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) أو أنّه مثل تعبير (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (١) (٢).
أمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّ المراد من هذا الرجوع هو الرجوع إلى الفناء والعدم ، أو التلاحم والارتباط كما في بداية الخلق ، فيبدو بعيدا جدّا.
وفي النهاية تقول الآية : (وَعْداً) (٣) (عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (٤).
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ المراد من رجوع الناس إلى الحالة الأولى ، هو أنّهم يرجعون حفاة عراة مرّة أخرى كما كانوا في بداية الخلق. ولكن لا شكّ أنّ هذا لا يعني انحصار معنى الآية في ذلك واقتصاره عليه ، بل إنّه أحد صور رجوع الخلق إلى الصورة الأولى (٥).
* * *
__________________
(١) سورة الروم ، ٢٧.
(٢) كما قلنا سابقا ، فإنّه لا يوجد صعب وسهل بالنسبة إلى قدرة الله اللامتناهية ، بل كلّ شيء متساو مقابل قدرته ، وعلى هذا فإنّ التعبير المستعمل في الآية أعلاه إنّما هو بالنسبة لمحدودية فهم البشر ، دقّقوا ذلك.
(٣) «وعدا» مفعول لفعل مقدّر تقديره : وعدنا.
(٤) هذه الجملة تتضمّن عدّة تأكيدات ، فلفظة الوعد ، ثمّ التعبير بـ (علينا) وبعدها التأكيد بـ (إنّا) ثمّ استعمال الفعل الماضي (كنّا) وكذلك كلمة (فاعلين).
(٥) مجمع البيان ، ذيل الآيات مورد البحث.