للجهاد ، ولم يكن حكم الجهاد قد نزل ، فيبدو من البعيد جدّا أن يكون معنى هذه الجملة هنا إعلان الحرب ، والظاهر أنّ النّبي أراد بهذا الكلام أن يعلن تنفّره وابتعاده عن أولئك ، ويبيّن بأنّه قد يئس منهم تماما.
وتعبير «على سواء» إمّا أن يكون إشارة إلى أنّي قد أنذرتكم جميعا وحذّرتكم من العذاب الإلهي على حدّ سواء ، لئلّا يتصوّروا أنّ أهل مكّة أو قريشا يختلفون عن الآخرين ، وأنّ لهم عند الله فضلا أو كرامة. أو أنّه إشارة إلى أنّ النّبي قد بلّغهم جميعا وبدون استثناء.
ثمّ يبيّن هذا التهديد بصورة أوضح ، فيقول بأنّي لا أعلم هل أنّ موعد عذابكم قريب أم بعيد : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) فلا تظنّوا أنّ هذا الوعيد بعيد ، فربّما كان قريبا وقريبا جدّا.
قد يكون المراد من العذاب والعقوبة هنا عذاب القيامة ، أو عذاب الدنيا ، أو كليهما ، ففي الصورة الأولى هو مختص بعلم الله ، ولا يعلم أي أحد تاريخ وقوع القيامة بدقّة حتّى أنبياء الله ، وفي الصورة الثّانية والثّالثة يمكن أن يكون إشارة إلى جزئياته وزمانه ، وأنا لا أعلم بجزئياته ، لأنّ علم النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمثل هذه الحوادث ليس له صفة فعليّة دائما ، بل له صفة إرادية أحيانا ، أي ما دام لم يرد فهو لا يعلم (١).
ثمّ إنّكم لا ينبغي أن تتوهّموا أنّ عقوبتكم إذا تأخّرت فهذا يعني أنّ الله غير مطّلع على أعمالكم وأقوالكم ، فهو يعلم كلّ شيء ، فـ (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) فإنّ الجهر والإخفاء له معنى بالنسبة لكم حيث أنّ علمكم محدود عادة ، أمّا بالنسبة لمن لا حدود لعلمه ، فإنّ الغيب والشهادة ، والسرّ والعلن سواء لديه.
__________________
(١) كما ورد في كتاب الكافي في باب يتعلّق بهذا الشأن أيضا.