هذا الخلق دون هدف ، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١).
وبما أنّ هذه الحياة ليست عبثا ، وأنّ لها هدفا ، وأنّنا لا نصل إلى تحقيق ذلك الهدف في حياتنا ، إذن نعلم من ذلك وجود المعاد والبعث حتما.
٢ ـ إنّ هذا النظام الذي يسيطر على عالم الحياة يقول لنا (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى).
إنّ الذي يلبس الأرض لباس الحياة ، ويغيّر النطفة التافهة إلى إنسان كامل ، ويمنح الحياة للأرض الميتة ، لقادر على أن يمنح الحياة للموتى ، فهل يمكن التردّد في قبول فكرة المعاد مع وجود كلّ هذه التشكيلات الحيّة الدائمة للخالق جلّ وعلا في هذا العالم (٢)؟
٣ ـ الهدف الآخر هو أن نعلم (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولا يستحيل على قدرته شيء.
هل يمكن لأحد تحويل الأرض الميتة إلى نطفة؟ ويطوّر هذه النطفة التافهة في مراحل الحياة؟ ويلبسها كلّ يوم لباسا جديدا من الحياة! ويجعل الأرض الجافّة العديمة الروح خضراء زاهية تعلوها بهجة الحياة؟! أليس القادر على القيام بهذه الأعمال بقادر على أن يحيي الإنسان بعد موته؟!
٤ ـ إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر ، ستحلّ بلا شكّ فيها (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها).
٥ ـ ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ).
__________________
(١) سورة ص ، ٢٧.
(٢) يرى بعض المفسّرين في عبارة (أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) إشارة إلى حياة الناس في القيامة. مع أنّ هذا المعنى تضمّنته عبارة (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أيضا ، مع فارق هو أنّ العبارة الأولى إشارة إلى أصل الحياة ، والثّانية إشارة إلى كيفية إحياء الموتى.
إلّا أنّ التّفسير الآخر الذي استندنا إليه بصورة أكثر ، هو أنّ عبارة (أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) إشارة إلى منح الله الحياة بشكل مستمر في هذه الدنيا ، ليكون دليلا على إمكان تحقّق ذلك يوم البعث.