٢ ـ إنّ عود الضمير المذكور إلى هؤلاء الأشخاص (ليس إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) أي أنّ الذين يظنّون عدم نصر الله لهم ، وأنّه يقطع رزقهم ، عليهم أن يعملوا ما شاءوا ، وليذهبوا إلى السّماء ويعلّقوا أنفسهم بحبل ، ثمّ ليقطعوا هذا الحبل حتّى يقعوا على الأرض ، فهل ينهي غضبهم؟
وجميع هذه التفاسير تركّز على ملاحظة نفسيّة تخصّ الأشخاص الحادّي المزاج. والضعيفي الإيمان الذين يصابون بالهلع ويرتكبون أعمالا جنونية كلّما بلغت أمورهم طريقا مسدودا في الظاهر ، فيضربون الأبواب والحيطان تارة ، وأخرى يودّون أن تبتلعهم الأرض. وقد يصمّمون على الانتحار لإخماد نيران غضبهم. في وقت لا تحلّ فيه هذه الأعمال الجنونية مشاكلهم ، ولو تريّثوا قليلا ، والتزموا بالصبر وسعة الصدر ، ونهضوا بعد التوكّل على الله والاعتماد على النفس في مواجهة مشاكلهم ، لأصبح حلّها مؤكّدا.
وأشارت الآية التالية إلى خلاصة الآيات السابقة ، فقالت : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ).
لقد أوضحت الآيات السابقة أدلّة المعاد والبعث ، كالمراحل التي يمرّ بها الجنين الإنساني ونموّ النباتات وإحياء الأرض بعد موتها ، وأدلّة أخرى على عدم نفع الأصنام وضرّها ، وعرضت أعمال الذين يجعلون الدين وسيلة لبلوغ المنافع التافهة. ولكن هذه الأدلّة الواضحة والبراهين الدامغة لا تكفي لتقبّل الحقّ ، بل لا بدّ من استعداد ذاتي لذلك. ولهذا يقول القرآن المجيد في نهاية الآية : (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ).
وقد قلنا مرارا : إنّ إرادة الله ليست بلا حساب ، فهو المدبّر الحكيم يهدي من يشاء بآياته البيّنات ، خاصّة أولئك المجاهدين في سبيله ، وهم يرجون هدايته