وهنا يثار سؤال : كيف يقال أنّ القلوب التي في الصدور تدرك الحقائق ، في وقت نعلم فيه أنّ القلب مضخّة للدم ليس إلّا؟!
وقد أجبنا عن هذا في تفسير الآية السابقة من سورة البقرة ، وخلاصته أنّ أحد معاني القلب هو العقل ، ومن معاني الصدر ذات الإنسان.
إضافة إلى أنّ القلب مظهر العواطف ، وكلّما تأثّرت العواطف والإدراكات الروحيّة في الإنسان ، فإنّ أوّل أثرها ينعكس على القلب فتزداد نبضاته ويسرع الدم في جريانه ، ويمنح الجسم نشاطا وحيوية جديدة ، فتنسب الظواهر الروحية إلى القلب ، لأنّه أوّل من يتأثّر بها في جسم الإنسان. (فتأمّلوا جيدا).
وممّا يلفت النظر أنّ الآية المذكورة أعلاه نسبت سبل إدراك الإنسان إلى القلب (العقل) والأذنين ، إشارة إلى أنّه لا سبيل ثالث لإدراك الأشياء والحقائق.
فإمّا أن يتفاعل مع الحدث في أعماق روحه ويسعى لتحليل المسائل بنفسه فيصل إلى النتيجة المتوخّاة ، وإمّا أن يسمع النصيحة من المشفقين الهداة وأنبياء الله وأهل الحقّ ، أو يصل إلى الحقائق عن طريق هذين السبيلين (١).
وترسم الآية الثّانية ـ موضع البحث ـ صورة أخرى لجهل الأغبياء وعديمي الإيمان فتقول : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) فردّ عليهم ألّا تعجلوا (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ). و «العجول» هو من يخشى فوات الفرصة من يده ، وانتهاء إمكاناتها.
أمّا الله القادر على كلّ شيء منذ الأزل ، فلا حاجة له بالعجلة ، فهو قادر دوما على الوفاء بما عد ، فلا فرق عنده بين الساعة واليوم والسنة : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
وسواء أكان حقّا أم باطلا تكرارهم القول : لماذا لم ينزل الله علينا البلاء.
فليعلموا أنّ العذاب يترقّبهم وسينزل عليهم قريبا. فإن أمهلهم الله ، فإنّ ذلك ليعيدوا
__________________
(١) عن تفسير الميزان ، المجلّد الرّابع عشر ، صفحة ٤٢٦.